Saturday, August 31, 2013

سعد ... بائع السمك

يروي قدس أبينا لوقا سيداروس في كتابه قائلا:

ذكرتني هذه السيرة العطرة للشهيدة الفقيرة الخادمة (الشهيدة مطرونة التي سبق أن نشرنا سيرتها في المرة السابقة) ... برجل فقير بسيط كان يعمل بائع سمك متجول ... كان يحمل على رأسه سلة كبيرة مملوءة بالأسماك يطوف بها شوارع وحواري قطاع كبير من حي شبرا ... والمناطق الفقيرة الملاصقة لها ...

ومن المعروف لدى الجميع أن باعة السمك المتجولين كانوا في معظمهم يتصفون بالفظاظة والمعاملات الشرسة ... ناهيك عن لغتهم السوقية وألفاظهم النابية ... فكان معظم الناس يتفادون الاحتكاك بهم ... بل يخافونهم ...

ولكن هذا الأخ سعد كان يبدو مختلفا إختلافا جِذريا ... فهو في هذا الوسط الصعب كان يحيا حياة مسيحية ... يصلي كثيرا وله علاقة حية بالمسيح يسوع ... فكان إذا تكلم مع زبائنه فهو صادق لا يكذب ... وديع لا يصيح ... وإذا باعهم شيئا فهو أمين غاية في الأمانة ...

كان العرف السائد في المعاملات هو كثرة الفصال والحلفان والأقسام المغلظة ... ولكن الأخ سعد كان يقول لزبائنه: "كلام مسيحي" "كلمة واحدة" ... كان هذا التصرف المسيحي يبدو غريبا على مسامع الناس ... ولكن مع مرور الوقت كان الكل يشهد أن الأخ سعد يتكلم بالصدق !!! والجميع يثقون في كلمته ... فهو لا يغش ولا يغالي في السعر ... ولا يطمع في الربح القبيح ... ولا يشتم ولا يحلف !!!

فكان إذا جاء إلى أحد الشوارع يلتف الناس حوله ... ويقبلون على الشراء منه بثقة عجيبة ... فكان أنجح هؤلاء التجار البسطاء ... وكان يبيع كل ما عنده في أقل وقت ... ويقنع بربح بسيط ويحيا حياة هانئة في سلام مع الله وسلام مع الناس ...

على أن هذا الأخ المسيحي لم يقف عند حد المعاملة الطيبة مع الناس ... وكسب ثقتهم وكونه يربح من تجارته ... بل كان كثيرا ما يتكلم عن المسيح مع المسيحيين وغير المسيحيين على حد سواء ... كلام بسيط ولكنه نابع من خبرة وحب وحياة ...

وكان الناس إذ رأوا تصرفه الصادق ... كانوا يقبلون كلامه ... وكثيرون تغيرت حياتهم بسبب صدق شهادة حياته لمخلصه وحبه لوصاياه !!!

منقول من:
المؤلف: جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب: رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر: كنيسة مارجرجس باسبورتنج
(الجزء 3 صفحات 33 - 34)

Wednesday, August 28, 2013

من كل الفئات

سيرة القديسة مطرونة التي تعيد لها الكنيسة في 10 توت (20 سبتمبر) من كل عام ... تشهد لكنيستنا الحية التي تكرم الشهادة للمسيح بغض النظر عن المراكز العالمية ... أو الأسماء المشهورة، أو أصحاب الرتب أو الأغنياء والوجهاء ...

فهذه القديسة الشهيدة ... كانت تعمل خادمة فقيرة لدى سيدة يهودية متسلطة وشريرة ... وكانت القديسة تحب سيدها الحقيقي يسوع المسيح وتشهد له ... فمن جهة الشكل ،،، عبدة مستعبدة ... ومن جهة الجوهر ،،، كانت حرة ، عتيقة الرب الذي حررها الحرية الداخلية ... "إن حرركم الإبن ،،، فبالحقيقة تصيرون أحراراً" ...

فلما عجزت سيدتها عن إمالتها عن إيمانها ،،، فهي مطيعة لها ،،، خادة لحاجتها ،،، ولكنها لم تخضع لها ولا لحظة واحدة من جهة إيمانها بالمسيح ... وعبادتها للذي أحبها وأسلم نفسه لأجلها ...

فلما رأت منها سيدتها هذا التمسك والقوة ... لجأت إلى العنف ... فضيقت عليها في حبس بلا أكل ولا شرب ... مع الضرب والإهانة حتى أسلمت روحها الطاهرة في يد المسيح الذي أحبها ...

ولما أرادت سيدتها الجاحدة أن تخفي جريمتها ... حاولت أن تلقي بجسد القديسة من على السطح ليقال أنها سقطت عفوا ... فبينما هي تكمل شرها ... وتحاول إخفاء فعلتها ... لم تختف عن عيني كاشف الأسرار ... وعارف نوايا البشر ...

فزلت قدمها ... وسقطت وماتت لوقتها ...

والجميل في الكنيسة أنها لم تغفل أن تكرم مثل هذه القديسة الشهيدة ... فهي وان لم يكن لها مركز قيادي كأم لجماعة رهبانية مثلا ... ولا هي تضلعت بأعمال باهرة ... ولا قامت بمشاريع تخلد ذكراها ... ولا ولدت أولادا صاروا أصحاب شأن في الكنيسة ... لا شيء من هذا ...

بل هي على العكس ضعيفة السيرة ... فقيرة مطمورة تكاد تكون منسية من الجميع ... ولكنها إذ تكللت بالإكليل السمائي ... وعُدّت في مصاف الشهداء ... ألزمت الكنيسة كلها أن تعيد لها ... وتسطر إسمها في السنكسار والتاريخ ... ودخلت ضمن جوقة صفوف الشهداء بجوار مارجرجس وأبو سيفين ومارمينا ... والقديسة الأميرة الشهيدة دميانة ... والأم دولاجي ...

فما أروعها كنيسة تزن النفوس بميزان الروح ... وتقيّم قديسيها بمقدار ما قدموا حياتهم محبة في المسيح الملك !!!

منقول من : ...
المؤلف: جناب القمص/ لوقا سيداروس ...
الكتاب: رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين ...
الناشر: كنيسة مارجرجس باسبورتنج ...
(الجزء 3 صفحة 31 - 32)

Tuesday, August 27, 2013

سلوك آبائي متقن


يروي قدس أبينا/ القمص لوقا سيداروس قائلا : ...

في بكور حياتي الكهنوتية سنة 1967 ... كان يسكن بجوار كنيستنا في اسبورتنج رجل فاضل تقي من أسرة متدينة محبة للمسيح ... وكان له أخ راهب شيخ متقدم في السن ... من رهبان دير البراموس العامر ...

وكان لهذا الأب عادة في شيخوخته أن يزور أخيه الساكن بجوار الكنيسة مرة كل سنة ... يقضي معه بعض الأسابيع ... وكان هذا الأب قد أحنت السنين ظهره، وصار جسده ضعيفا، وحركته بطيئة ... ولكن كان وجهه يسطع بنور النعمة ... كأنه وجه ملاك ...

وكان كل يوم أحد يحضره أخوه إلى الكنيسة باكرا جدا ... وإذ كان لا يقوى على الوقوف ... كان يجلس أمام باب الهيكل ... ووجهه نحو المذبح ... لا يتحرك لمدة ساعات ... عيناه شاخصتان إلى السماء ... شفتاه تتحركان بكلمات الصلاة والألحان بصوت خافت لا يسمعه أحد ... فكان منظره الملائكي يشيع السلام في قلوب الكثيرين ... وكان كثيرون يتلمسون بركته ...

كانت سيرة هذا الأب بين الشيوخ في دير البراموس ... مشهودا لها من الجميع، إذ كان منذ شبابه طاهرا بسيطا محبا متحليا بالوداعة .. كأنه طفل ... وقد زادته سنين العبادة نعمة فوق نعمة ...

كنت كلما أتيحت لي فرصة أذهب لزيارة هذا الأب الطيب في بيت شقيقه ... وقد استرعى انتباهي سلوكه الرهباني المدقق ... وحرصه على خلاص نفسه ...

ففي كل مرة أدخل إليهم ويعلم بوجودي ... يخرج من غرفته ويقابلني ببشاشة عجيبة ... ويرحب بي بمحبة قلبية حقيقية ... ويجلس بجواري يسألني عن أحوالي ... وأطلب منه أن يصلي من أجلي ... ولا تمر دقائق حتى يمد يده إلى مجموعة الكتب التي بجواره ويقدم لي كتابا ويقول لي: أرجوك عزينا بكلام الكتب ...

كانت الكتيبات الصغيرة هي مجموعة من سير القديسين وأقوال الآباء وبستان الرهبان ... مع الكتاب المقدس الذي لا يفارق حياته ... وكانت هذه الكتب منسوخة بخط اليد ومغلفة بأغلفة جلدية ... وكان هذا الأب هو الذي نسخها بيده ...

كانت أحب القصص إليه قصة القديسة مارينا الناسكة ... التي تزيّت بزي الرجال وترهبت ... ولم يكن أحد يعلم من أمرها شيئا ... وكانوا يعزون رقة صوتها إلى النسك الشديد ... ثم إتهمت ظلما بأنها إعتدت على إبنة صاحب فندق ... فطردوها من الدير ... ثم أتى صاحب الفندق بالطفل المولود من إبنته إلى القديسة مارينا إعتقادا منه أنها والد الطفل ... فحملته القديسة وإعتنت به عناية فائقة ... وهي عائشة بلا مأوى ... تنتقل به بين رعاة الغنم ، تطعمه إلى أن شبّ ... وهي تسقيه لبن الإيمان والحياة مع الله والصلاة الدائمة ...

وإذ تشفع الرهبان عنها إلى رئيس الدير ... عاد فقبلها ووضع عليها قوانين صعبة فوق الطاقة ... فاحتملت كل هذا بصبر جميل ... ولم تدافع عن نفسها رغم الظلم الفادح ... حتى تنيحت بسلام ... فإكتشفوا أنها فتاة ... وأنها بريئة من كل ما نسب إليها ... وقد شرفها الله بعمل آيات وعجائب من جسدها بعد نياحتها ...

فكنت أقرأ هذه السيرة الروحانية المؤثرة ... وكان هذا الأب ينصت بسكوت وعمق ... ودموعه تجري على خديه وتنساب بغزارة ... من بداية القراءة حتى نهايتها ...

كان يتملكني العجب ... فالرجل يعرف هذه السيرة ... بل أقول إنه يكاد يحفظها عن ظهر قلب ... بل هو ناسخها بخط يده ... فليست هذه أول مرة يسمعها فيتأثر ... وليس فيها شيء جديد على مسمعه ...

فمن أين يأتيه كل هذا التأثر والدموع ... كيف أن التكرار الكثير لم يتحول إلى روتين !!!

وتأكدت أن الأبرار يكون قلبهم ملتهبا فيهم بالحب الإلهي ... والشوق إلى السمائيات فيهم يزيد لا ينقص ... ونار الروح فيهم تضطرم ولا تخمد !!!

وكنت إذ أنتهي من القارءة والرجل في حالة التأثر العميق ... وقد نضح وقاره وتأثره على المحيطين به ... لم يكن بعد مجال لكلام مهما كان نوعه ... فكنت أجلس صامتا لمدة دقائق ... ثم أنصرف طالبا صلواته عني ...

وقد تعلمت من هذا السلوك الرهباني الأصيل الشيء الكثير ... تعلمت كيف يكون الحرص حتى لا يفقد الانسان حيويته وحساسيته في الروح ... فلا يسمح للبرودة التي في الخارج أن تتسرب إلى داخل قلبه ... وقد تعلمت كيف كان الآباء حريصون على خلاصهم ... فعلاقتهم بالآخرين وإختلاطهم بالناس ومقابلاتهم وزياراتهم كانت لحساب المسيح ...

وتعلمت الحرص على الوقت ... فلا يوجد وقت للضياع والهزل أو للرغي أو الكلام الذي ليس للبنيان ... فكل الوقت وقت مقبول لعمل الروح !!!

منقول من: ...
المؤلف: القمص لوقا سيداروس
الكتاب: رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر: كنيسة مارجرجس باسبورتنج
(الجزء 3 صفحة 27 - 30)

أنار البصيرة


"وكانت هناك عقبة في سبيل نمو هذه السيدة روحيا ... فهي أمية لم تكن تعرف القراءة والكتابة ...

وكانت تتعذب ... إذ أنها تريد أن تغترف لنفسها من ينابيع الحياة ... وتزداد في المعرفة ...

تريد أن تقرأ الانجيل وتصلي المزامير ... لقد كان مصدر معرفتها الوحيد هو السماع ...

ولكنها لا تستطيع أن تستزيد بنفسها ... فالكتب بالنسبة لها شيء مختوم ...

وحدث أنه مع الأيام التي كانت تتردد فيها على الكنيسة ...

أنه إزداد شوقها إلى المعرفة ... وحنينها إلى القراءة في الانجيل ...

وفي أحد الأيام كان الشماس يوزع المزامير على جموع المصلين في بداية القداس ...

ثم عير بها ووزع عليها مزمورا ... ولم يكن في يديها أجبية ... وقد تأثرت تأثرا بالغا ...

وبعد القداس عادت إلى منزلها ودخلت غرفتها ...

وصلت للرب بدالة عجيبة ... وقالت له ...

كيف أن جميع الناس يتمتعون به ويصلون إليه ... وهي محرمة من هذه النعمة ...

وتوسلت إليه قائلة : ... لابد أن تعطيني هذه النعمة ... أن أقرأ !!!

وكانت تبكي بحرقة قلب ... وياللعجب ...

فتحت الأجبية في يدها ... وكان أن الرب قد أنار ذهنها ...

فقرأت للحال بدون معلم ... وهي لا تعرف الألف من الياء ...

فجاءتني مسرعة في حالة من الفرح والتهليل ... تكاد تطير ...

وكم كانت دهشتي إذ صارت تقرأ المزامير أمامي بطلاقة وبدون أخطاء ...

ومجدت الذي قال - وهو الصادق في مواعيده ...

"لا يعلم كل واحد أخاه أو كل واحد ابن مدينته قائلا إعرف الرب ... لأن الجميع سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم" ...

وأيضا "يكون الجميع متعلمين من الله" !!!

من كتاب: "القمص لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين" (الجزء الثاني ص 10 - 11) - الناشر "كنيسة مار جرجس سبورتنج"

مارمرقس الكاروز

 
كنا في دير الشهيد مار مينا العجايبي في مارس 1967 ...

وكنا حول المتنيح البابا كيرلس السادس ... كان ذلك يوم أحد من آحاد الصوم الكبير ...

وكان البابا قد انتهى من صلاة المساء ... وفيما هو خارج من الكنيسة ...

التف حوله بعض الاخوة ... وكانوا يسألونه عن معونة القديسين وشفاعتهم ...

فقال البابا: ... إحنا إللي بنمنع عملهم بأعمالنا الوحشة ... فسألته كيف يكون هذا ؟ ...

فإلتفت إلي وقال: كان البابا كيرلس الخامس يقضي أوقاتا كثيرة بالقلاية البطريركية بالاسكندرية ...

وكان في أيامه رجل جنايني مكلف بالاهتمام بحديقة الكنيسة المرقسية ...

وكان هذا الرجل تقي كثير الصلاة يسهر كثيرا ... ويروي الأشجار والزرع في المساء ...

وكان هذا الرجل مفتوح العينين ... يرى رؤى الله ...

كان يرى القديس مار مرقس كل ليلة يحمل مجمرة مملؤة بخورا ويطوف المنطقة كلها يبخر ...

وكان الرجل سعيدا ايما سعادة بهذه البركة التي لا يعبر عنها ... ولم يعلم أحد بهذه الأمور ...

وفي يوم من الأيام ... لم ير الرجل الطيب مار مرقس بحسب عادته اليومية ...

ظل الرجل يصلي إلى الله ويرتل ... ولكنه لم يره في الليلة الثانية والثالثة أيضا ...

فصار حزينا كسير القلب ... وفيما هو على هذه الحال متحيرا ماذا يفعل ...

إذا به يصعد إلى قلاية البابا البطريرك ... ويقص عليه أمره ...

فقال البابا : "طيب يا مسيو صلي وربنا يدبر الأمر ... ونشوف لماذا حدث هذا" ...

استقصى البابا أخبار الكنيسة وخدامها ... فعرف أن الكاهنين خادمي الكنيسة المرقسية ... وأنهما متخاصمين ...

فإستدعاهما البابا وأصلح بينهما ... ونزلا من عنده في سلام ...

بعدها بيوم استدعى البابا الرجل الجنايني ... وسأله: "كيف الحال؟" ...

سجد الرجل أمام البابا شاكرا ... وقال :

الحمد لله يا سيدنا ... عاد مار مرقس إلى ما كان عليه ...

وعلق البابا كيرلس السادس قائلا ... شفت يا بني ... إننا بأعمالنا ممكن نمنع الخير عنا !!!

من كتاب: "القمص لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
(الجزء الثاني ص 31-32) - الناشر "كنيسة مار جرجس سبورتنج"

نيحهم جميعا

 "في الأيام الأولى لوجودنا داخل سجن المرج ... في سبتمبر 1981، كان الجو وقتها مشحونا بالغيوم من كل ناحية، لم يكن أحد يتوقع ما حدث ... ولم يكن أحد يدري ماذا سيحدث ...

كان الآباء المحبوسون من كل أنحاء مصر ... وكثيرين منهم لا يعرف الآخر ... كانت هذه الأيام الأولى تمر ثقيلة على النفس ...

وكنا في الصباح الباكر في كل يوم نصحوا على صوت كنسي فيه عزاء كثير ... يصلي مقتطفات من القداس الإلهي ... وكنا نسمعه يسبح بنغم روحي يزيح الكمد عن النفس ... الكمد الذي يشيعه السجن وحراسه ...

كان هذا الأب الكاهن من المراغة - سوهاج ... وبمرور الأيام أصبح عمله هذا مثل صياح الديك في الفجر ... ينبئ دائما بإنقشاع الظلام ...

ولما دققت السمع فيما يصلي ... وجدته يقول: "الرئيس والجند والمشيرين ... نَيّحْهُم جميعا" ...

لم يكن أحد من الضباط أو الحراس يفهم شيئا ... وكان بعض الآباء يقولون آمين ...

ولم تمض أيام حتى صنع الرب صنيعه العجيب ... وإستجاب !!!

من كتاب: "القمص لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
(الجزء الثاني صفحة 56 - 57) - الناشر "كنيسة مار جرجس سبورتنج"

غلبة الموت

"قال لي مرة ونحن نتكلم عن أعمال الله ... أن من أعجب القصص التي عاشها في خدمته ...

أنهم أيقظوه يوم سبت النور بعد أن سهر في الكنيسة حتى الصباح ... ثم ذهب إلى بيته ليستريح ...

أيقظوه بإنزعاج وقالوا له : "قم إعمل جنازة" ...

قام من نومه العميق منزعجا ... وسأل: "من الذي مات؟" ...

قالوا : "الولد فلان ... ابن ثلاثة عشر سنة" ...

لم يكن الولد مريضا ... ولكنه في فجر اليوم وجدوه ميتا ...

وحزن أهل الصعيد صعب ... وصلوات الجنازة رهيبة ... ولا سيما إذا كان الموت مفاجئ ... أو ان الميت صغير السن ...

قام الأب الكاهن وهو يجمع ذهنه بعد ... مغلوبا من النوم ... لكن الخبر المزعج هزه من أعماقه ...

فكان كأنه تحت تأثير مخدر ... لم يستوعب الأمر بعد ... كان يعمل كل شيء كأنه آلة بلا إدراك ...

غسل وجهه ... لبس ملابسه ... وذهب إلى الكنيسة ... وجد الناس في حالة هياج وصراخ وعويل ...

دخل هذا الكاهن الطيب ... باكيا مشاركا شعبه ... وضعوا الصندوق أمامه ...

وكان لهم عادة في بلده أن يصلى على المتوفي والصندوق مفتوح ...

صلى صلاة الشكر ... ثم رفع صليبه وبدلا من أن يصلي أوشية الراقدين ... صلى أوشية المرضى بغير قصد ولا إدراك ... كان كأنه مازال نائما ...

وفيما هو يصلي: "تعهدهم بالمراحم والرأفات، إشفهم" إذا بالصبي يتحرك وهو مسجى في الصندوق !!!

قال : "لم أصدق عيني ... جسمي كله إقشعر " !!!

تجمد في مكانه ... ولكنه أكمل الصلاة ... وزادت حركة الصبي ...

صرخ الكاهن: "إنه حي"

هاجت الدنيا حوله ... فكوا الولد من الأكفان ... إنه حيّ

سرت موجة فرح الحياة ... قشعت أحزان الموت ...

إنه يوم سبت النور ... يوم أن كسر المسيح شوكة الموت !!!

من كتاب "القمص / لوقا سيداروس) : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"

(الجزء الثاني - ص 58 - 59) ... الناشر "كنيسة مار جرجس باسبورتنج"

ملاك الرب يحوط بخائفيه وينجيهم

"في أثناء حرب 1973 ... دخلت إلى قداسة البابا شنودة الثالث فأراني شيئا عجيبا ...

إنجيل مقدس، عهد جديد، ورصاصة مخترقة الانجيل ... ومستقرة فيه إلى نصف صفحاته ...

قال لي البابا : هذا الانجيل كان في جيب أحد أبنائنا المجندين ...

كان في جيبه الأيسر ... مقابل قلبه ...

أصابته هذه الرصاصة ... فدخلت في الانجيل ... ولكنها توقفت كما ترى ...

لقد نجا من الموت بأعجوبة ... واستطاعت وريقات الانجيل أن توقف الطلق الناري !!!"

من كتاب : "القمص لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
(الجزء الثاني ص 60) ... الناشر : "كنيسة مار جرجس باسبورتنج"

برسوم الجديد

"وبعد حرب 1967 ... كانت فرقته ضمن الفرق الرابضة على حدود القناة ...

كان أحد الجنود زملاؤه يشاركه المعيشة بالمخبأ ... وبينما هما داخل المخبأ ...

إذا ثعبان ضخم يدخل متسحبا إلى الظل داخل المخبأ !!!

فلما رآه زميله جزع من الخوف ... ولكن الأخ هدأ من روعه وقال : ...

"لا تخف منه ... إنه يعيش معنا في سلام الآن عاما كاملا !!!

يأتي يطلب الظل ... ونحن نعطيه الطعام ... بيض أو قطعة لحم ...

فيأكل ويستريح ... ثم يمضي إلى حال سبيله ...

لقد تكرر هذا المنظر أمام الجنود ... فشهدوا أنه بالحق رجل الله ...

وزاد حبهم وتوقيرهم لإيمانه الحي ...

ولما سمعت هذا من أصدقاؤه ... قلت أن الكنيسة حية ...

والقديس برسوم العريان الذي عاش مع وحش ثعبان ... ليس تاريخا ميتا ...

ولكنه واقع حي ممكن أن يتكرر في كل الأجيال !!!"

من كتاب : "القمص/ لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
(الجزء الثاني ص 69) : الناشر "كنيسة مار جرجس باسبورتنج"

عفة يوسف



"كان هذا الأخ من المترددين بصفة دائمة على الإعتراف وإجتماع الشبان في كنيسة مار جرجس إسبورتنج في السبعينات ...

كان وجهه مشرقا كوجه ملاك ... فقد حباه الله بنعمة خاصة ... إذ كان وسيما جدا في شكله ...

وكان بطبعه وديعا رقيقا ... وكان لرقة طبعه محبوبا من الجميع ... في بيته وفي المدارس التي نشأ بها ...

وكان متفوقا في دراسته ... أمينا لمسيحه ... أنهى دراسته الثانوية وإلتحق بكلية الطب ...

وكان أمينا في صلواته ... منظما في مواعيده ... يسلك بتدقيق عجيب ...

ولما تخرج من كلية الطب ... عين معيدا ... وصار نائبا في أحد الأقسام ...

وكان عليه أن يقضي معظم وقته ولياليه بالمستشفى ... وكنت بين الحين والآخر أراه في اجتماع الشبان بحسب ما يسمح وقته ...

كان يشكو لي من إحدى الممرضات بالمستشفى ... جميله ... تعطيه إهتماما أكثر من باقي الناس ... وتحاول أن تتكلم معه كثيرا ... بمناسبة وبدون مناسبة ...

وكانت تتكلم بشيء من الميوعة ... وكان هو من ناحيته خالي الذهن ... لا يعطيها إهتماما ... ولكنه كان حريصا واعيا أمينا لإلهه ... محبا للقداسة ...

ولكن مع توالي الأيام ... إزدادت حركاتها وكلماتها ... وصارت كمن تطارده في كل مكان ... وكلما تعمد لإهمالها ... إزداد الشيطان في دفعها ...

جاء إلي مثقلا ... ماذا يفعل ؟ ... قلت له أنت تصوم الأربعاء والجمعة ... قال نعم ... قلت: دعنا نصوم يوما ثالثا .. فصار يصوم الأربعاء والخميس والجمعة من كل أسبوع ... مواظبا على الصلاة الحارة ...

مضت بعض الأسابيع ... وفي ليلة كان يبيت في المستشفى ... كان هو المسئول عن العنبر ... وكانت هذه الممرضة مناوبة هي الأخرى ...

وبعد منتصف الليل ... دخل حجرته وصلى ... وألقى بنفسه على الفراش ... لعله يحظى بقليل من النوم قبل أن يستدعى لأحد المرضى ...

راح في نوم هادئ ... ثم فجأة ... صحا على صوت صراخ ... قام منزعجا ... قفز من على السرير وجرى في العنبر تجاه الصوت ...

فسمع واحدة تصرخ من إحدى الحجرات ... اندفع داخل الحجرة ... وإذا به يجد تلك الممرضة وقد خلعت ملابسها تماما ... واقفة وحدها داخل الغرفة !!!

لقد نصب الشيطان فخه ليصطاده ... ملأ قلبها وألهب فكرها بالشر ... ولكن قوة الصوم والصلاة واليقظة وحب المسيح كانت معه ...

قال كما قال يوسف قديما : "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطيء إلى الله"

رشم ذاته بعلامة الصليب ... ودفعها بيده إذ كانت قد أغلقت الباب ووقفت وراءه تمنعه من الخروج ...

فتح الباب وخرج مسرعا يمجد الله ... الإله القوي ... ترك المستشفى وجاءني قبل الفجر ...

فوجئت به يقرع باب منزلي ... لم يستطع الإنتظار حتى الصباح ... كان مضطربا ومتأسفا أنه جاءني في ذلك الوقت ...

كم كانت فرحتي به عندما حكى لي ما جرى ... كم مجدت الله العجيب والقادر على كل شيء ...
صلينا مزامير باكر معا بفرح ونصرة لذيذة ... فطعم الانتصار والنجاح لا يمكن التعبير عنه !!!

من كتاب : "القمص / لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
(الجزء الثاني صفحة 70 - 75) - الناشر : "كنيسة مار جرجس باسبورتنج"

يستجيب لك الرب في يوم شدتك

نشأ في عائلة متدينة سكنت إحدى بلاد محافظة المنيا ...

كان ذلك في بداية الخمسينات من القرن العشرين ...

ورغم ضيق حال الأسرة ... إلا أنهم أصروا أن يسافر إبنهم إلى القاهرة ليدرس في كلية الطب ...

صحبته أخته الكبرى ... وهي غير متزوجة ... واستأجرا في الجيزة حجرة صغيرة يعيشان فيها ...

وانتظم في الدراسة ، وكانت الأسرة تقتطع من معيشتها وترسل لهما ثلاثة جنيهات كل شهر ... للسكن والإعاشة ... علاوة على مصاريف الجامعة ...

وكان هذا عبئا كبيرا على الأسرة ... ولكنهم يشكرون الله وينظرون إلى مستقبل إبنهم ...

ارتبط بالكنيسة في الجيزة ارتباطا شديدا ... ووجد في أبينا المتنيح القمص/ صليب سوريال نعم الأب الحنون ...

مضت شهور ... وانتظم في الدراسة ... وكانت حوالة مالية تأتيه أول كل شهر من الأسرة بالصعيد ...

في أول أحد الشهور إنتظر كعادته أن تأيه الحوالة بالبريد ... فلم تصل ... تأخرت ... إنتظر يومين ... ثم أسبوع ... لا شيء ...

المواد التموينية في البيت قاربت على النفاذ ... وهو ليس له قريب في القاهرة ... ويستحي أن يطلب من أحد ... ثم من يعطيه ؟!

بدأ هو وأخته يقتصدان في الطعام القليل الباقي عندهم ... مع المواظبة على الصلاة والطلبة ...

حتى نفذ كل ما عندهم تماما ... أصبحا لا يمتلكان حتى رغيف خبز واحد ...

ضاق الأمر بالأخت جدا ... وبينما هو خارج في الصباح إلى الجامعة ... قالت له إعمل حسابك لا ترجع إلى البيت دون أن تتصرف ... حتى لا نموت من الجوع ...

وفي طريقه إلى الجامعة سيرا على الأقدام ... إذ كان السكن قريبا ... انهمر في البكاء وهو يصلي ويقول: ...

أنت تقوت فراخ العربان التي تدعوك ... أن تفتح يدك فتشبع كل حي رضى ...

ثم صلى مزمور: "يستجيب لك الرب في يوم شدتك"

كان بعد الصلاة متحيرا ... ماذا يفعل ... هل يذهب إلى الجامعة ويسأل أحد زملاؤه المساعدة ؟؟؟ هل يرسل تلغراف إلى أسرته ؟؟؟ ولكن من أين له بثمن التلغراف ...

أخيرا خطر على باله أن يذهب إلى أبونا صليب يطلب منه ... إنه أمر محرج جدا ... ولكن ما هو البديل ؟؟؟

وصل وهو في هذه الأفكار إلى ميدان الجيزة ... وقف في وسط الميدان كمن هو في مفترق الطرق ... إلى أين يتجه ؟؟؟

رفع بصره إلى السماء وفي عينيه دمعة ... وقال : إلى متى يا رب؟ ...

فلما أخفض بصره إذا ورقة تطير تدفعها الريح ... لأن الوقت شتاء ... طارت الورقة حتى إرتطمت برجله ... وإلتصقت بالبنطلون ...

إنحنى ليزيح الورقة عن رجله ... وياللمفاجأة المذهلة ... التي تفوق العقل ...

إنها ليست ورقة ... إنها ورقة مالية ... إنها جنيـــــــــــه !!!

لم يصدق عينيه وكأنه أصابه ذهول إلى لحظة ...

آه ... ربما طار من أحد ... أمسك الجنيه بيده ... رفعه إلى فوق ... لعل الذي طار منه الجنيه يأتي ليأخذه ...

ولكن لم يأت أحد ... ظل رافعا يده ربما لدقائق ... ثم كاد يصرخ ... لقد استجاب الرب بطريقة معجزية !!!
 
من كتاب
رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الجزء الثاني ... صفحة 76 - 79

الصليب قوة الله

في أواخر الستينات من القرن الماضي ...

دخل إلى الكنيسة أربعة رجال غرباء ... سألوا فقادهم أحد الخدام إلى داخل الكنيسة ...

كانوا يصحبون رجلا منهك القوى في حوالي السبعين من عمره ... يظهر عليه إعياء شديد ...

بادرت إليهم مسراعا ... أجلست الرجل المسن ... وسألتهم عن طلبهم ...

قالوا أنهم سمعوا عن البطل الشهيد مارجرجس ... وأن الرجل به روح نجس ...

وهو يعذبه من سنوات ... ولكنه الآن يقتله ... إذ يمنعه عن الطعام والشراب !!!

قالوا : "إن له ثلاثة أيام لم يأكل شيئا ... قلت : ولماذا ؟؟؟

قلت : كيف يكون هذا ؟؟؟

قالوا : عندما نحضر إليه الطعام ... فان الشيطان يصك أسناناه وينفخ بطنه ...

فلا يستطيع أحد أن يطعمه شيئا ... وهو على ما ترى من شقاء ...

نظرت إلى الرجل ... وإذا منظره يثير في النفس الحزن والشفقة ...

قلت لأحد الخدام الواقفين حولي يتابعون ما يحدث ... إذهب إحضر بعض الساندوتشات من المحل المجاور للكنيسة ...

إنطلق الخادم مسرعا ... وما هي إلا دقائق وعاد يحمل الطعام ...

أمسكت الساندوتش وقدمته للرجل المسكين ... خذ كل ...

وأذهلني المنظر الذي رأيت ... في لحظة إصطكت أسنان الرجل بخوف شديد ... وإذا بطنه تنتفخ كأنك تنفخ بالون ... شيء مرعب ...

وبحركة تلقائية إذ قد أربكني المنظر المفاجئ ... وضعت الصليب الذي في يدي على بطن الرجل ...

وياللعجب ... رجعت بطن الرجل إلى حالها الطبيعي ... وفتح عينيه وفمه ...

قدمت له الطعام مرة أخرى ... قال الرجل المسكين : "خلي إللي إنت حاطه على بطني ده ... إوعى تشيله إعمل معروف" ...

والتهم الرجل الطعام بلهفة شديدة ... إذ كاد يموت جوعا ...

وبعدما فرغ من الطعام ... أعطيته صليبا صغيرا وقلت له ... إحتفظ به ... إلبسه على صدرك ... تمسك به فلا يقدر الشيطان أن يؤذيك +++

من كتاب : "القمص/ لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
الجزء الثاني (ص 85 - 86) الناشر : "كنيسة مارجرجس باسبورتنج"

قنديل مارجرجس

يروي المؤلف قائلا: ...

"حكى لي أبونا بيشوي كامل أنه في بداية خدمته في كنيسة مار جرجس باسبوتنج وهو لم يكن قد تعرف على شعبه بعد ... ولم يكن إسمه مشهورا ...

وكانت الكنيسة وقتها مبنى صغير من الطوب الأحمر مسقوف بالأسبستس ...وكان في المدخل أيقونة للشهيد العظيم مارجرجس معلق أمامها قنديل زيت ...

حضر إلى الكنيسة رجل وسيدة تبدوا عليهما ملامح الثراء ... دخلوا إلى الكنيسة في خجل وأدب جم ... وسألوا : ... هل يوجد هنا شخص إسمه أبونا بيشوي ؟

فقابلهما أبونا بيشوي ورحب بهما وعرفهما بأنه هو من يسألون عنه ... ثم استفسر منهما عن سبب حضورهما إلى الكنيسة ...

فتبين أنهما من أغنياء المنطقة ... وأنهما يسكنان ليس بعيدا عن الكنيسة ... وأنهما غير مسيحيين ... وأن لهما ولد شاب قد داهمه روح نجس منذ فترة ...

وقد احتارا في أمره ... ولم يتركا سبيل إلا وطرقاه أملا في شفاء ابنهما ... ذهبوا إلى العرافين واستدعوا بعض الشيوخ ... ولكن حال الشاب يتدهور يوما بعد يوم ...

وهما في حزن كثير ونفس كسيرة ... وقد سمعا الشيطان الذي بداخله يقول : ... "لن أخرج إلا إذا أحضر أبونا بيشوي قطنة بزيت من قنديل مارجرجس" ...

فسألوا أبونا بيشوي ... ما هو القنديل ؟؟؟ ومن هو مارجرجس ؟؟؟

فشرح لهما أبونا بيشوي وقص عليهما من عجائب البطل مارجرجس ... ثم سألوه وما هي الحربة التي يمسكها ؟ ... فقال لهما إنها رمز الصليب الذي هو قوة الله ...

فتوسلا إلى أبينا بدموع أن يذهب معهما ... فأخذ قطنة غمسها بزيت من القنديل الذي أمام أيقونة الشهيد مارجرجس ... ومضى ورشم بها علامة الصليب المحيي على جبهة الشاب ...

فبرئ في الحال ... والجميع مجدوا الله على عجائبه في قديسيه !!!

من كتاب "القمص/ لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
الجزء الثاني (ص 90 - 91) ... اللناشر : "كنيسة مارجرجس باسبورتنج"

محبة واتضاع

يروي القمص/ لوقا سيداروس قائلا:

"في صباح يوم قابلني أبونا بيشوي بابتسامته المشرقة وقال لي:

"أمس كان عندنا منظر تحب أن تراه" ... قلت: "وما هو"

قال: "إنت عارف شمس" قلت له: "أعرفها ... هذه السيدة الفقيرة التي تجلس في سوق زنانيري تبيع بعض الخضار ..."

قال: "لقد سقط منزلهم وانهار تماما ... فصار جميع السكان بلا مأوى ... أخذوا جميع السكان إلى الجامع في شارع زنانيري ... كان هذا في الليلة قبل الماضية ...

باتت ليلتها هناك هي وأطفالها ... قال لها إمام الجامع: " أنت مسيحية ... هل ترضي أن تنامي هنا؟ ... قالت له أنا بنت أبونا بيشوي ... وهو علمنا أن نحب جميع الناس ... وكلنا إخوة ... فشكرها الرجل ... وشكر أبونا بيشوي ... وقال: "بالحقيقة كذلك ... ونحن يجب أن نعيش بهذه المحبة وهذا السلام"

وفي الليلة التالية التي هي أمس ... جاءت إلينا من السوق ... وأخبرتنا بما جرى ... وأن كل ما تملك قد دفن هناك تحت أكوام التراب في هذا البيت ...

ولكنها قالت : "إن كل هذه الأمور فانية ... وأنا أشكر الله على عطيته" ...

أمسكت بها أنجيل (زوجة أبونا بيشوي) لكي تبيت الليلة بمنزلنا ... وقدمت لها طعاما ... أكلت وشكرت الله ... ثم في وقت النوم ... طلبت منها أنجيل أن تصعد على السرير لتنام ...

لكنها رفضت تماما ... كيف يتسخ الفراش بملابسها الفقيرة ... ورجليها الحافية !!!

وهنا بدأت المشادة والخناقة ... هذه مُصرّة على عدم الصعود إلى السرير ... وأنجيل تجرها جرا ...

قلت: "وماذا كانت النهاية؟" ...

قال: "نامتا هما الاثنتان على الأرض الليل كله" !!!

......................................................................
من كتاب "القمص/ لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
الجزء الثاني (ص 93 - 94) الناشر: "كنيسة مارجرجس باسبورتنج"

فقير في منظره وامكانياته

"شخص آخر ... فقير في منظره ... فقير في امكانياته الشخصية ...

هو شاب ولد وبه بعض العاهات ... فلسانه منعقد ... يتكلم كلمات قليلة ... بالكاد تفهمه ... وثيابه رثة ... ولعابه يسيل من فمه على ثيابه ...

ولكنه محب للمسيح ولإخوة الرب الفقراء ... وهو ابن رجل مقتدر تاجر جملة للفاكهة ... وهو يأخذ مبالغ كبيرة من والده يخدم بها الفقراء ... والرجل فرح بأن الرب أنعم على ابنه بما يعوضه نقص الجسد ... بزيادة في الروح ...

فوجئت مرة وأنا في دير مارمينا ... بأتوبيس كبير مملوء من الفقراء ... نزلوا منه بفرح وتهليل ... سيدات وأطفال ... كان هذا الأخ قد رتب هذه الرحلة لهم ...

جمع المطلوب من المال ... وطلب من أحد الإخوة أن يؤجر له أتوبيس لأنه لا يعرف ...

واتفق مع السيدات الفقيرات هن وأولادهن وصحبهن إلى دير مارمينا ... ولم تدفع إحداهن قرشا واحدا ... تكفل هو بكامل المصاريف ...

يقول دائما : "غلابة كلهم ... يسوع يحبهم" ...

وقد تكررت هذه الرحلات الفقيرة يقوم بها هذا الأخ العجيب عشرات المرات ... وفي كل مرة يأخذ مجموعة غير الأخرى ... ببساطة طفولية ... وحكمة نازلة من فوق ... وقلب ناري محب !!!"

من كتاب "القمص/ لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
الجزء 2 (ص 95 - 96) الناشر: "كنيسة مارجرجس باسبورتنج"

الغبطة في العطاء

رجل فقير معدم كان يأتي ليصلي في كنيسة العذراء بكليوباترا بالاسكندرية ...

يلبس أثمالا بالية ... كان عاملا يشتغل بيديه ويكسب قوته ... حتى أعجزه المرض عن العمل فأصبح يستجدي ...

والغريب في الأمر أنه حالما يدخل إلى الكنيسة للصلاة ... كان يرفض أن يعطيه أحد شيئا في الكنيسة مهما كان احتياجه ... فالكنيسة له بيت الصلاة ...

وجدته في نهاية أحد القداسات واقفا محتارا ... وقد انصرف الجميع تقريبا ... وظل هو واقفا يبحث عن حذائه ...

سألته: "ماذا بك؟" قال: "لا أجد حذائي" ... نظرت حولي فلم أجد سوى حذاء واحد جديد ... قلت له: "لعل هذا هو حذاءك" ... قال: "لا" ...

قلت: "لقد انصرف الجميع ولم يبق سوى هذا الحذاء ... خذه إذن وإنصرف" ... قال: "لا أستطيع ... فحذائي قديم مهلهل ... وهذا الحذاء الجديد لا يخصني" ...

ألححت عليه حتى يأخذه فرفض تماما ... قلت له: "إنتظر قليلا ... لعل أحدا لبس حذاءك دون قصد ... وسيعود عندما يكتشف ذلك" ...

استمر الرجل واقفا مدة تزيد على نصف ساعة ... ولم يحضر أحد ... قال لي بعدها: "سامحني يا أبي أنا سأنصرف" ... ولما نظرت إليه وجدته حافي القدمين ...

قلت له: "لماذا لم تلبس الحذاء" قال: "لا أستطيع" ... حينئذ أخذت الحذاء وشددت عليه حتى لبسه مرغما وإنصرف وهو متضايق ... ولكنني أرحت ضميره وقلت له إنني سأعرف من فعل هذا وأتفاهم معه ...

وبعد أيام قليلة قال لي أحد الشمامسة أنه شاهد الأستاذ فلان يلبس حذاء الرجل الفقير ... بعد القداس وينصرف مسرعا ...

ذهبت لأزور هذا الأخ في بيته ... ثم سألته على إنفراد: "ماذا حدث حتى أنك لبست حذاء الرجل الفقير؟" ... فقال: "من أعلمك هذا؟" ... قلت: "علمت" ...

قال: "إني متحير في أمر هذا الرجل ... فهو فقير معدم كما يبدو عليه ... حاولت مرارا أن أعطيه شيئا فرفض باصرار ... عرضنا عليه بعد الكنيسة بعض الأطعمة ... شكرني ول يأخذ ... وقال لي: "أشكرك يا حبيبي ... فالله يهتم حتى بفراخ الغربان" ...

وفي الأحد الماضي وجدتها فرصة سانحة إذ خرجت من التناول ووجدت حذاؤه القديم المهلهل ... فلبسته على عجل وتركت حذائي الجديد الذي لم أستعمله سوى أيام قليلة ... وخرجت من الكنيسة في غاية الفرح إذ قدمت لأخ المسيح هذا شيئا بسيطا ...

يومها مجّدتُ الله وروحه العامل فينا الذي يحرك المعطي للعطاء ... ويعمل في قلب المحتاج للاكتفاء ... وهكذا تكون الكنيسة غنية بايمان اولادها !!!

من كتاب "القمص/ لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
الجزء الثاني (ص 97 - 99) الناشر "كنيسة مارجرجس باسبورتنج"

سقي الروح

"..... أنجبا طفلين، بنت وولد ... ترعرعا في هذا الجو الروحي ... فخرجا هادئين هدوء عجيب ... وداعة الأطفال ونقاوتهم صارت هي السمات الدائمة حتى بعدما كبرا وتخرجا من الجامعة ...

ولأجل الأعباء المنزلية والعناية بالأولاد (وهم صغار) ... كانت للأخت (ن) خادمة ... فتاة صغيرة مقيمة معه اقامة كاملة ... عمرها حوالي 12 سنة ... من أسرة فقيرة ريفية .. وكانت (ن) وزوجها يوليانها رعاية فائقة ويعاملانه بحب يفوق الوصف ... بل كانت بالنسبة لهما هي الإبنة الكبرى !!!

وكانت إذ حصلت على هذا العطف الفائق ... أنها بالفعل صارت كعضو في الأسرة بدون تمييز ... فهي في ملبسها كواحدة من الأسرة ... وحينما يجلسون إلى الطعام ... فالأخت (ن) تجهز المائدة، وتضع لخادمتها قبل أن تضع لنفسها ...

ومن المناظر التي علقت بذهني رغم مرور ما يزيد على ربع قرن من الزمن ... منظر المشادة التي حدثت بين هذه الأخت الخادمة وسيدتها ...

يومها كان يزورهم المتنيح الأنبا يوأنس (أسقف الغربية السابق) مع أبونا بيشوي كامل ... وكنت معهم مع بعض الأحباء ...

فقامت الأخت (ن) تخدم في المطبخ لتقدم شيئا لضيوفها ... فقامت خادمتها مسرعة تمنعها من ذلك لكي تخدم هي ... فقالت لها (ن) بل إذهبي أنت وإجلسي لتسمعي كلام الله، وأنا سأعمل كل شيء ... فمنعتها خادمتها قائلة : "لا بل إجلسي أنت لأن هذا هو عملي أنا" ... فرفضت ...

وإذ سمعهما الأنبا يوأنس قام مسرعا وذهب إلى المطبخ ... فوجدهما على هذا الحال ... فتعجب وقال : "لا أنت ولا هي ... تعالوا كلنا نصلي ونقرأ الإنجيل ... ولما ننتهي من ذلك قوما أنتما وهيئا ما تريدان" ...

إنه منظر قد لا يتكرر ... إلى هذا الحد كان الاتضاع والحب بصورة عملية في هذا البيت !!!

من كتاب "القمص/ لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
الجزء الثاني (صفحة 100 - 103) الناشر: "كنيسة مارجرجس باسبورتنج"

رئيس الملائكة ميخائيل

"بنت أحد الشمامسة ... كانت قد أرسلتها أمها تسأل عن والدها الذي كان في غروب أحد الأيام مع مجموعة من الشمامسة يحفظون الألحان في كنيسة الملاك ميخائيل ... بقرية كفر النحال بالزقازيق ... وهي تقع بقرب المدافن بالقرية ...

فلما إقتربت البنت الصغيرة ذات الستة سنوات إلى الكنيسة ... رأت الملاك ميخائيل وكأنه إنسان كبير جدا واقف بباب الكنيسة ... ساقاه بارتفاع الباب الحديدي ... ويديه كجناحين ممتدين على مبنى الكنيسة حول قبابها ...

فخافت الطفلة وصرخت إذ رأت هذا المنظر ... ولكنه إنحنى بقامته العجيبة نحوها لكي يطمئنها ... ويقول لها ... "يا حبيبتي لا تخافي ... ماذا تطلبين؟"

قالت له وهي مرتعبة: "أنا عاوزة بابا" ... قال لها: "بابا مين؟" ... قالت له: "بابا فلان" ...

قال لها: "نعم ... كان هنا مع الشمامسة ... وإنتهوا من درس الألحان ومضوا" ...

فقالت له: "وأنت هنا بتعمل إيه؟" ... قال: "أنا حارس الكنيسة" ...

قالت الطفلة بسذاجة: "إسمك إيه" ... قال لها: "أنا ميخائيل" ...

حفل استقبال في السماء

ذهبت لأناوله الأسرار ... كان أول يوم في صوم يونان ...
وذهبت مسرعا لأني علمت أن حالته خطيرة ... ولم يبق سوى ساعة أو بضع ساعات على إنتقاله ...
وقد إنقضت ثلاثة أيام وهو فاقد الوعي تماما ... لا يعرف أحدا ولا يفتح عينيه ولا يتكلم ...
ذهبت وأنا بالغ التأثر ... فالرجل عزيز على قلبي ... أحبه محبة خالصة كوالد ...
أحب فيه قلبه الطيب وروحه النشيط العابد للمسيح ...

دخلت الحجرة التي كان يرقد فيها ... وحوله أفراد عائلته محيطة بفراشه ...
وياللعجب ... فتح الرجل عينيه وقال: "مبارك الآتي باسم الرب" ...
هات يابني كرسي لأبونا يرتاح ..
أهلا وسهلا يا أبونا ...
تهلل قلبي حين أشرق نور نعمة الله على وجه الرجل ...
وناولته الأسرار الإلهية ...

ثم وقفت بجانب السرير ... وإذا بالرجل يفتح فاه ويتكلم بكلام عجيب ...
إيه ده ... حفلة كبيرة ... كل ده ...
لا أنا ما أستاهلش ...
مين؟ ... داود النبي !!! ... أيوب الصديق !!! أبونا إبراهيم !!!
يا سلام ... مين اللي بيشيل الكراسي ويرصها ؟ ...
إنت يا أبونا بيشوي !!!
لا يمكن ... لا يا أبونا ... أنا ما أستاهلش كل ده ...
لا ... لا ... لا ... لا يمكن .. لا يمكن ..."

وما هي إلا لحظات وإنطلقت هذه الروح الطيبة لكي تنعم بهذا الحفل الجميل الذي أعده القديسين لاستقباله ...
نعم رآهم رؤى العين وفي إتضاعه صرخ أنه غير مستحق !!!

إسم المؤلف: القمص/ لوقا سيداروس
إسم الكتاب: رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الجزء: الثاني ص 107 - 108
الناشر: كنيسة مارجرجس باسبورتنج

المعلم لبيب

المعلم لبيب ...

كان من أعمدة الحياة الكنسية في جيله ... فهو عليم بعلوم الكنيسة ... حي فيها ...
وهو حجة في الألحان ... وأمينا في الطقس ...

عندما صار المعلم لبيب في شيخوخة صالحة ... وضعفت صحته ...نقل إلى المستشفى القبطي ... وكان في غيبوبة ... وبالمستشفى القبطي توجد كنيسة ... وفي صباح الأربعاء ... سأل المعلم ... النهاردة إيه؟ ... قالوا له: الأربعاء يا معلم ... فقال: قولوا لأبونا يحضر لي التناول ... فقال الذين حوله: قلنا له وهو سيحضر لك التناول ...

ثم بعد قليل فتح عينيه وسأل: "فين أبونا يا أولاد؟" ... قالوا له: لسه يا معلم في القداس ... قال: "ده إتأخر كده" ... قالوا له: سيحضر التناول بعدما ينتهي القداس" ...

ثم مرة أخرى سأل وأجابوه نفس الإجابات ... وقالوا له: "أصبر يا معلم" ...

ثم بعد قليل سمعوه يصلي صلوات قبل التناول ... ويقول مبارك الآتي باسم الرب ... ويحرك فمه كأنه يأكل شيئا ... ثم يصلي صلاة بعد التناول ...

ثم أيقظوه قائلين : "إصح يا معلم ... أبونا أحضر لك التناول ... فقال : "يا أبونا أنا إتناولت نشكر الله ... فقالوا : "لعله يهذي" ... فقال: "صدقني يا أبونا البابا كيرلس أتى إليّ الآن وناولني ... وصرفت التناول والماء مازال أثره في فمي ...

ولما قال هذا إندهش الحاضرون ... وأيقنوا أن ما قال صدق ... ومجدوا الله العجيب في قديسيه ... وبعده بقليل رقد هذا البار بسلام ...

وبعد إنتقال المعلم لبيب تحير الأهل والعائلة من أمر عجيب كانوا يرونه كل يوم ...

فحينما يفتحون شباك غرفته ... تدخل حمامة وتقف على سريره ... وفوق دولاب ملابسه ... من الصباح إلى المساء كل يوم ... وعبثا حاولوا أن يخرجوها أو يمسكوها ... ثم بعد أربعين يوما ... إختفت ... فلم يعودوا يرونها !!!

المؤلف: القمص/ لوقا سيداروس
اسم الكتاب: رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الجزء: الثاني صفحة 113 - 115
الناشر: كنيسة مارجرجس باسبورتنج

القديس مارجرجس والنجدة السريعة

جاءني خادم الكنيسة (الفراش) ... وكنت وقتها في المعمودية أتمم السر المقدس لأحد الأطفال ... وقال لي إن سيدة بالباب هي ووالدتها تطلب مقابلتك ... قلت له: حالما أنتهي من العماد أدخلهما إلى هنا ...

ودخلت السيدة ووالدتها مرتعبتين في خوف وحذر ... وسلمتا علي ... أدركت للحال أنهما غريبتان عن الكنيسة ... وربما هذه هي المرة الأولى التي تتقابلان فيها مع كاهن ...

رحبت بهما مهدئا من روعهما ... وأذنت لهما بالجلوس ... وقلت: "كيف أستطيع أن أخدمكما؟" ...

فلما هدأت الشابة وهي على ما يبدو في الثلاثين من عمرها ... بدأت تقص علي قصة غريبة ... قالت: "نحن كما ترى غير مسيحيتين ... ولكننا من أسرة متدينة محافظة ... ونعيش في سلام مع جيراننا ومنهم أسرة مسيحية ... تربطنا بها أواصر المحبة ... وقد صحبتنا السيدة جارتنا المسيحية إلى هنا وأدخلتنا لأننا لا عهد لنا بالدخول إلى الكنيسة ... بل هي أول مرة نتحدث فيها إلى قسيس ...

قالت السيدة الشابة: "منذ شبابي المبكر وأنا أحب سانت تريز ... لقد سمعت عنها في المدرسة ... وإطلعت على سيرتها ... فأحببت فيها الرقة في المشاعر واحتمال المرض في شكر ... وأحسست أن حياتها الهادئة الوادعة هي أفضل حياة ... ولست أدري كيف صارت كأنها صديقتي ... أتكلم معها وأحبها ... وإزدادت علاقتي بها ... فأحببت كل ما أحبت في حياتها ... وتمنيت أن أحيا على مثالها ...

ومنذ سنوات تقدم لخطبتي شاب متدين من أسرة معروفة لنا ... ويشغل وظيفة محترمة ويواظب على كل فروض ديننا ... وهو رجل ملتحي ... وعلى خلق طيب ومحترم من جميع الناس ... وتمت خطبتي إليه وإرتبطنا بالزواج ...

ومن الأمور التي لا أنساها أنه قبل زفافي بيوم واحد ... رأيت في رؤيا الليل أن سانت تريز تقدم لي باقة من الورود ... وكم فرحت بها ... وأحسست باحساس غامر من الفرح ... لم يكن شيء يفرحني في يوم زفافي أكثر مما فرحت بهذه الهدية وكأنها تبارك حياتي" ...

قلت لها: شيء جميل ... ان القديسين وهم في السماء يحسون بالذين يرتبطون بهم على الأرض ...

ثم استمرت في سرد قصتها ... فقالت: "سارت حياتي هادئة طبيعية لا يعكر صفوها سوى حلم مزعج كان يتكرر على مدى سنة كاملة بين الحين والآخر ... قلت لها: "وما هو؟" ...

قالت: "كنت أرى وكأن شخصا غريبا مزعجا جدا وشكله قبيح للغاية ... شرس بلا رحمة ... كان يطاردني وكأنه يريد أن يعتدي علي ويغتصبني ... وكنت أفزع منه أيما فزع ... وكنت يوم أن أحلم بهذا الحلم المزعج ... أقوم من نومي منهكة القوى مشتتة الذهن ... وكأني مريضة فلا أضبط قوة ...

وكان زوجي يسألني عن حالي فكنت أقص عليه هذا الأمر ... فكان مرة يهون علي الأمر ومرة يسخر مني ... ومرة نذهب إلى أحد المشايخ وأصحاب المعرفة ... فكان كل منهم يقول كلاما ... أما واقع الأمر فبقي كما هو ... فإزداد إضطرابي ... حتى صرت أكره النوم خشية ما أعانيه من أحلامي هذه ...

وبالأمس ... نمت في حوالي العاشرة والنصف مساءا ... وفي نصف الليل تكرر هذا الكابوس المزعج ... طاردني الشبح المخيف ... وياللهول !!! ... لقد لحق بي وطرحني أرضا ووقع عليّ !!! ...

شعرت لحظتها أن ظلمة كثيفة غشيتني ... بل وقعت الظلمة في داخلي ... كدت أموت ... لم أكن أقدر ولا على التنفس من شدة الخوف والألم والظلمة معا ... ولكني بما بقي فيّ من قوة هزيلة ... وصوت خافت كما من بئر سحيق ... كنت أقول : يا رب خلصني ... يا رب نجني !!!

وللحال سمعت صوت جلبة قوية ... كأرجل حصان يركض ... حتى إقترب مني وأنا ملقاة في حالتي هذه ... فتحت عيني في خوف فرأيت منظرا من نور ... إنسانا راكبا جوادا وممسكا بحربة في يده ... ووجهه جميل ومنير ... ومنظره كله بهاء ... حتى حصانه منير ...

ثم صار صوت من راكب الفرس وإذا هو ينتهر الظلمة التي في داخلي ... أن "أُخرج منها" ... فجاوبه بجفاء: "لا" ... وحدثت مجادلة صعبة ... وأنا أسمع بخوف ورعب وفزع شديدين ...

فلما زاد عناد الشبح الذي ربض في داخلي كظلمة ... بادره راكب الفرس بطعنة من حربته بقوة فائقة !!! ... جاءت الطعنة في صدري ... ونفذت الحربة من ظهري ...

وفي الحال ... في سرعة البرق ... إنقشعت الظلمة من نفسي تماما ... وحل بي نور وسلام وهدوء عجيبين !!!

أفقت في لحظتها فلما فتحت عيني وجدت زوجي جالسا على السرير في حالة من الهلع والرعب ... قلت له: "مالك جالس هكذا؟" ... قال: هل أنت بخير؟" ... قلت له الحمد لله ... أنا بخير ... فجلست وقصصت عليه ما حدث لي تماما وأنا متأثرة غاية التأثر ... فقال: "هوني على نفسك ودعك من هذه التخاريف " ... وحاولت جاهدة أن أعرف ما الذي أيقظه أو ماذا رأى أو ماذا سمع ... فلم يجبني بكلمة !!!

وفي الصباح قمت فرحة سعيدة ... وعندما كنت أبدل ملابسي ... وجدت ملابسي الداخلية ملطخة بالدم ... وأخرجت ملابسها من كيس بيدها ... وإذا دائرة من الأمام ودائرة من الخلف أثر الحربة التي طعنها بها هذا الفارس العجيب ...

سألتها وقد أصابتني دهشة غامرة: "هل تعرفي البطل مارجرجس؟" ... قالت: "لا" ... قلت لها تعالي ورائي ... وذهبت بهما إلى حيث أيقونة الشهيد العظيم مارجرجس ... فلما رأت الأيقونة هتفت بصراخ ... "هـــو ... هـــو" !!! ...

فجلست أتكلم معها عن سيرة أمير الشهداء ... وهي تصغي وقد أشرق وجهها متهللا ... قلت لها رغم أنك لا تعرفين مارجرجس ... ولم تطلبيه للمعونة ... ولكنك عندما طلبت إلى الله قائلة يا رب خلصني ... يا رب نجني ... فإن الله تبارك اسمه يستجيب في الحال ... فأرسل إليك أحد رجاله القديسين ... وهو قوي في المعونة ... وسريع الندهة ... وقاهر للشياطين ... وأما الحربة التي في يده فهي ليست مادية ... بل هي الصليب المقدس العلامة التي تخيف الشياطين وتكسر شوكتهم !!!

من كتاب:
المؤلف: القمص لوقا سيداروس
إسم الكتاب: رائحة المسحي في حياة أبرار معاصرين
الناشر: كنيسة مارجرجس باشبورتنج
الجزء 2 صفحة 21 - 25

صانع العجائب

حدث ذات يوم بعد أن فرغ البابا كيرلس السادس من صلاة القداس وبارك الحاضرين ... وهو في طريقه إلى قلايته أمسكت به سيدة تبكي بدموع وتستغيث بالبابا أن يعينها في تجربة مرة كانت مجربة بها ... وكنت في ذلك اليوم حاضرا مع البابا صلاة القداس ... وعبثا حاولت أن أهدئ السيدة التي كانت منفعلة بكثرة البكاء ... وكان منظرها ولجاجتها يذكرني بالمرأة الكنعانية ...

كان المجتمعون حول البابا في طريقه يراقبون هذا المنظر ... والحق يقال أن هذا المنظر كان يتكرر كثيرا من ذوي الحاجات والأمراض والضيقات والتجارب ...وكانوا يثقون أن باباهم الحنون يستطيع بنعمة المسيح أن يريحهم !!!

التفت البابا إلى هذه السيدة المسكينة ... وقال لها بأسلوبه الأبوي العذب ... طيب يا بنتي هنبعتلك مارمينا ...

وكانت تقف إلى جواري من الناحية الأخرى الأخت الصعيدية تراقب الحاح تلك السيدة ... وإذا بهذه الأخت تصرخ نحو البابا: "وأنا يا سيدنا ... وأنا يا سيدنا" ...فإلتفت إليها البابا وقال: "عاوزة إيه يا بنت إنتي؟" ... فقالت في سذاجة كالأطفال: "وأنا كمان إبعتلي مارمينا" ... فقال لها البابا وهو يبتسم: "طيب روحي يا بنت إنتي كمان" ...

إنصرفنا بعد أن صعد البابا إلى قلايته ... كل واحد إلى حال سبيله ... وذهبت هذه الأخت إلى عملها ... وعادت في آخر النهار إلى بيتها ... وإهتمت بأمور البيت وأعدت الطعام ... ولما عاد زوجها من العمل تناولا الطعام معا ... إذ لم يكن لهما أولاد ... وزارهما بعض الأقارب كعادتهما وقضيا وفتا طيبا بين الكلام الروحي والصلاة وسير القديسين ... لأن هذه هي عادتهم ... وهي ناسية تماما ما حدث في الصباح مع البابا ...

وبعد أن صلت صلاة نصف الليل مع زوجها التقي ... خلدا إلى النوم وكانت الساعة تقترب من الحادية عشر ...
وفي حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل ... وبدون مقدمات ... فتحت هذه الأخت عينيها مستيقظة من نومها ... وسمعت صوت باب الحجرة ينفتح ... وهالها المنظر النوراني الرهيب ... مارمينا العجايبي بمنظره التقليدي رافعا يديه وبردائه القصير يدخل في هدوء عجيب ويتقدم نحوها كطيف نوراني رقيق !!!

توقفت الأخت عن التنفس مرتاعة ... إذ داهمها شعور بالخوف وعدم الاستحقاق حتى لم تضبط نفسها ... ولم تصدق ما تراه ... حاولت في تلك اللحظة أن توقظ زوجها ... استجمعت قواها لكي تحرك يدها لتوقظه فلم تستطع ... حاولت أن تنادي عليه فلم تجد نفسها قادرة على الكلام ... تجمدت تماما ... وبالكاد من هول ما أصابها استطاعت بعد جهد أن استطاعت أن تسحب البطانية وتستر بها وجهها ... ولم تدر بنفسها كيف غلبها النعاس فنامت !!!

قامت في الصباح متأخرة أكثر من ساعة عن ميعادها ... أسرعت إلى الكنيسة ... كان البابا قد انتهى من القداس وصرف الشعب ... وفي عجلتها هذه وشعورها بالتأخير ومحاولتها الوصول إلى البابا ... كانت قد نسيت تماما الرؤيا التي رأتها في الليل ...

وكان البابا جالسا على كرسيه في في طرف صالة الاستقبال الملحقة بقلايته ... عملت مطانية عند الباب وهي تقول: "السلام لك يا سيدنا" ... فأجابها البابا بصوت عال وهو محتد: "انت يا بنت يا قليلة الذوق ... أنت ما عندكيش دم؟ !!!" ... استغربت غاية الغرابة ... لماذا هذا الكلام !!! ... ولأول مرة تسمع سيدنا يوبخها ... ليه يا سيدنا ؟ !!! ... فقال لها: "نبعت لك الراجل تعملي فيه كدة !!! ...

هنا تذكرت الرؤيا ... فصرخت تعتذر ... خفت يا سيدنا ... حقك عليا يا سيدنا ... أنا خفت ولم أعرف ماذا أعمل ... أخطيت حاللني وسامحني ...

عاد البابا يبتسم ويقول: "لما أنت مش قد الحاجات دي تبقي تسكتي" !!!

من كتاب:
المؤلف: القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب: رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر: كنيسة مارجرجس باسبوتنج
(الجزء 3 ص 7 - 12) ... القصة منقولة باختصار ...

مارجرجس حل المشكلة

 من طريف القصص ما حدث منذ حوالي 30 سنة حين جاءت فتاة صغيرة تبلغ من العمر عشرة سنوات ... جاءت إلى أبينا بيشوي كامل وجلست إلى جواره تسأله سؤالا غريبا: "هل إذا وجدت نقودا بالكنيسة وأخذتها ... هل هذا حرام ؟؟؟"

فأجابها أبونا بيشوي بحكمته المعهودة ...وهو يعرف الطفلة وأسرتها حق المعرفة ... ويعرف براءتها وحبها للكنيسة ... أجابها قائلا: "لماذا تسأليني هذا السؤال ؟" ...

فقصت له الطفلة قصتها العجيبة جدا ...
فمنذ يومين دخل والدها في ساعة الظهيرة إلى المنزل ... وبعد دقائق كان هناك نقاش حاد بين والدها ووالدتها ... وكانت الطفلة ينتابها الهلع عند بداية هذه المناقات الحادة ... فالأمر ينتهي دائما بالعنف من جهة الأب والصراخ من جهة الأم ...

كان الموضوع الرئيسي للخلافات هو المال ... كان الرجل يتهمها بالافراط في الصرف ... وعدم الحكمة ... بينما كانت السيدة طيبة القلب ... لا تتصرف دون اذن زوجها إلا في أضيق الحدود ... وحسب الاحتياج ...

كان أبونا بشوي يعرف مشاكلهم ويتدخل لحلها ... وكان يعزي هذه السيدة ويمدها بطاقة في الصلاة للاحتمال والشكر ... وعبثا حاول مع الرجل ... فهو دائما مشغول يلتمس لنفسه الأعذار في عدم حضوره للكنيسة ...

ولكن ما حدث هو أنه كان هناك مبلغ من المال قد حفظه الزوج بالمنزل منذ شهرين ... ولما افتقده وقتها وجده ناقصا ثلاثة جنيهات ... فبدأ يحتد وهو ينادي زوجته ليسألها عن المبلغ !!!

كانت السيدة على مدى الشهرين قد احتاجت لبعض الضروريات فمدت يدها للمبلغ دون علم رجلها بذلك ... وكانت تلتمس فرصة مواتية لتخبره ولكنها نسيت الأمر أو لم تتسنى لها تلك الفرصة ...

أدركت الزوجة عند سماع صراخ زوجها أن زوبعة عاصفة على وشك أن تصدم بيتها ... رشمت ذاتها بعلامة الصليب ... وصلت رافعة قلبها إلى السماء ... يا رب استر ... وطلبت حكمة من الأعالي ... يا مار جرجس أعني ... إشفع في ...

ثم إقتربت إلى زوجها قائلة: "ماذا بك ؟؟؟"
قال غاضبا: "الفلوس ناقصة ثلاثة جنيه " ...
أجابت فورا دون تفكير: "أيوة ثلاثة جنيه أنا أعطيتهم لأبونا بيشوي"...
لأن أبونا كان قد أوصاها أن تقول عن أي مبلغ ناقص أنه طرف أبونا بيشوي ...
ثار الرجل أكثر: "أبونا بيشوي مين ... أنت كذابة " ...
قالت السيدة بهدوء: "أنا هجيبلك الثلاثة جنيه حالا ... إهدأ وأسكت ..."

ثم نادت طفلتها قائلة: "روحي يا بنت كنيسة مارجرجس وهاتي الثلاثة جنيه من أبونا بيشوي ..."

أسرعت الطفلة خطاها وانطلقت نحو الكنيسة ... لابد أن تحضر المبلغ لكي تهدأ العاصفة ... وببراءة الطفولة التي كان يزعجها الصراخ والاهانات ... راحت تصلي كل الوقت الذي كانت تجري فيه نحو الكنيسة ... كان بيتهم يبعد عن الكنيسة نحو عشر دقائق مشيا على الأقدام ... قضتها الطفلة مصلية متشفعة بالقديس مارجرجس ... وكانت كأنها منطلقة في مهمة إنقاذ ...فلم تلتفت يمينا ولا شمالا ... ولا تعوقت في الطريق ... فالموقف لا يحتمل الإبطاء ...

وبعد دقائق وجدت نفسها في الكنيسة ... إنه وقت الظهر ... لا يوجد بالكنيسة صلوات ولا قداسات ولا اجتماعات ... لا يوجد سوى الفراشين ...
سألت بلهفة : "هل أبونا بيشوي موجود ؟؟؟"
قال لها الفراش: "لا"
أصابها خوف ونوع من خيبة الألم ...

ولكنها دخلت إلى الكنيسة ووقفت أمام أيقونة مارجرجس تصلي ...
ثم إلتفتت إلى أسفل ... فوجدت شيئا غريبا بجوار رجلها ...
توجد ورقة مالية ... إنه جنيه ... إنحنت وإلتقطته من الأرض ...
نعم إنه جنيه ملفوف ... فكته بسرعة وإذا هو جنيهان ... بل ثلاثة جنيهات !!!
عجيبة !!!
أشكرك يا مارجرجس جدا ...

لم تلبث ثوان حتى عادت أدراجها تجري وتلهث ...
وفي هذه المرة تصرخ بشكر عجيب ... وفرح لا ينطق به ...
دخلت إلى والدتها ... أعطتها الجنيهات وهي تقول ... اتفضلي يا ماما الثلاثة جنيهات ...
أخذتها السيدة وأعطتها لزوجها وقلت إتفضل ... آمن وإهدأ ...
لم يرد الرجل جوابا ولا استفسر عن الأمر ... فكل ما يهمه هو أن يكون المبلغ موجودا !!!

بعدما هدأ الأمر عادت السيدة تسأل طفلتها ... "ماذا قلت لأبونا بيشوي ؟"...
قالت الطفلة: "لم أر أبونا بيشوي ..."
"إذن ماذا حدث ؟؟؟"
قصت الطفلة لأمها تفاصيل ما جرى ...
قالت الأم وهي تمجد الله: "يا حبيبتي دي فلوس الكنيسة ... لكن روحي إسألي أبونا بيشوي هل التصرف إللي إتصرفتيه ده صح ولا حرام؟؟؟"

قال لها أبونا بيشوي: "يا حبيبتي مارجرجس كان عارف إني مش هكون موجود في الكنيسة في ذلك الوقت لكي أحل هذه المشكلة ...
فهو قام بسرعة وحلها ... أسرع وألقى لك الثلاثة جنيهات تحت أيقونته ...
وأرشدك أن تذهبي إلى أيقونته ... فأيقونة القديس تمثله ... وعندما نتشفع بالقديين يسمعوننا ويقدمون لنا المعونة لأنهم خدام المسيح ...
فهذا الأمر الذي فعلتي هو عين الصواب ... ومش حرام أبدا !!!

فرحت الطفلة البسيطة بهذا الجواب ... وجاء أبونا بيشوي يحكي لي هذه القصة المعزية ... فكنا نمجد الله على أعمال حبه !!!
 
من كتاب
القمص: لوقا سييداروس
الكتاب: رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر: كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء الثالث ... صفحة 13 - 18

Monday, August 26, 2013

في الهزيع الأخير

سيدة فاضلة ... تحيا هي وزوجها وأولادها حياة مسيحية ... جاءتني يوما باكية تقول ... : "لي جارة غير مسيحية وهي مريضة مرض الموت عندها، سرطان وهي الآن في أيامها الأخيرة ...
قلت لها مراحم الله واسعة وجسد الانسان ضعيف ...
قالت لي: ولكنها تود أن تراك !!!
قلت لها: من قال لك هذا ؟؟؟
قالت: هي ... طلبت مني ذلك ...
قلت: وهل تعرفني ؟
قالت: نعم ...
قلت: كيف؟
قالت: لا أعلم ... ولكنها تعرفك بالإسم ...
قلت: لو تسنى لي وقت أزورها ...

ومضى أسبوع وكنت في مشغوليات كثيرة ... قابلتني السيدة الفاضلة مرة أخرى تتوسل إليّ ...
لماذا لم تحضر ؟؟؟ المريضة منتظرة بفارغ الصبر ... وحالتها إلى أسوا ...قلت لها: ماذا أصنع لها ؟ أشعر أني مكتوف الأيدي ...
كيف أزور بيت غير مسيحي ؟!!! ولماذا لم يحضر زوجها ليدعوني إلى بيته ؟؟؟
قالت السيدة: إن زوجها يعمل مدير قطاع في المحلة الكبرى ... وهو معظم الوقت خارج الاسكندرية ... وهذه الأيام يحضر كل كام يوم ...  ظروفه صعبه وهي ظروفها أصعب ... وعلى أي حال ... كانت تكلمني على زيارتك وزوجها حاضر ولم يبد أي إعتراض ... بل قال ... أهلا وسهلا في أي وقت !!!

إضطررت تحت إلحاح هذه الأخت أن أذهب معها لزيارة جارتها ...
دخلنا المنزل وفتحت هذه الأخت باب شقة المريضة ... إذ أعطتها المفتاح لأنها ملازمة الفراش ... ولا تقدر أن تفتح لأحد ...

ما إن دخلنا ... حتى صدمت برائحة كريهة تنبعث من داخل الشقة ... شيء لا يطاق ... تحاملت على نفسي ودخلت إلى الغرفة حيث كانت السيدة المريضة ...

كانت سيدة في الخمسينيات من عمرها ... ورغم أنها طريحة الفراش ومريضة مرض الموت ... إلا أنها تبدو جميلة المنظر ... وقد علمت أنها أجريت لها منذ سنة عملية استئصال الثديين ... وأنها عولجت بالأشعة ... فإحترق جلدها ... وأن رائحة النتن التي تملأ البيت تبعث من جراحاتها المتقيحة ... وأنهم مهما سكبوا من روائح طيبة في المنزل أو على فراشها فإن الرائحة النتنة تطغي ... شيء مؤلم للغاية !!!

جلست على كرسي إلى جوار فراش المريضة ... سلمت عليها ... أخذت يدي تقبلها ... وعيناها تدمع ... تأثرت في نفسي ورحت أكلمها عن مراحم الله ... وأن ما يسمح به الله في حياة الناس من أمراض لابد أنه لخير الإنسان ... وأن القديسين تألموا وصبروا على الآلام ... وتكلمت عن تجربة أيوب الصديق في كلمات قليلة ... وهي تنصت دون تعليق ... فلا مجال لكثرة الكلام فهي في مرحلة متأخرة ... ولكنها بكامل وعيها وإنتباهها ...

إنتظرت السيدة المريضة حتى إنتهيت من كلامي ... ثم إستأذنت الأخت المسيحية وبنتها اللتان كانتا واقفتين قائلة: ممكن تتركوني مع أبونا لوحدي لمدة خمس دقائق؟ ...
استجابت السيدتان في الحال وخرجتا إلى خارج الغرفة ...

أدارت السيدة وجهها نحوي ونظرت إليّ نظرة عميقة ... ثم إنفجرت في بكاء ومرارة لم أر في حياتي إنسانا ينحصر في الحزن وهو في شدة المرض مثلما رأيت في هذه السيدة ...
كاد قلبي ينفطر وأنا أرى منظرها المؤلم ... لم يكن أمامي شيء أفعله ... فأنا لا أعرف سبب بكاءها هذا .... حاولت أن أهدئها بكلمات تعزية وهي تشهق بالبكاء ... وبالكاد نجحت أن أسكتها وقلت لها تكلمي بدون بكاء حتى أفهم وأعرف كيف أجيبك ...

تمالكت المسكينة نفسها وقالت:
يا أبي أنا مسيحية ...
وقعت هذه الكلمات على نفسي كالصاعقة ... ولكني أطرقت بصري إلى الأرض وقلت :
نعم ...
قالت: أنا أخت الدكتور فلان (وهذا الدكتور أنا أعرفه من القاهرة) ...
كان عمري 16 سنة ...
زوجني والدي لرجل لبناني ثري جدا يبلغ الخمسين من عمره ...
وكنت وقتذاك فتاة صغيرة جميلة ... ولم تكن لي خبرة في الحياة ...
وكان هذا الزواج غير موفق على الاطلاق ... بسبب الفوارق غير العادية في كل شيء
والتفت حولي بعض صديقات السوء ... شجعنني على ترك بيتي ...
وهكذا إلى أن تزوجت بزوجي المسلم هذا ...
فعلت كل شيء في عدم إدراك ... وكان هذا منذ أكثر من ثلاثين سنة ...
ولكن عادت تبكي بمرارة وتقول :
لم يغب شخص يسوع عن نظري وقلبي وحياتي ولم يغب صليبه عن ذهني ... صدقني يا أبي ... ولا يوم واحد من أيام حياتي !!!

أنجبت ولدين ... عمدتهما سرا وكنت أعلمهما منذ نعومة أظفارهما الحياة بالمسيح والإيمان به ... وكبرا وتعلما ... وهما الآن بالخارج يعيشان حياة مسيحية فاضلة ...

وها أنا كما تراني طرحني المرض للموت ... وكما ترى يا أبي ها أنا أنتن وأنا بعد حية ... يا ويحي يا شقاوتي ... أنا أستحق أكثر من هذا ... أنا أنكرت إيماني ... أنا جحدت مسيحي ...

والحق يقال أنني في تلك اللحظات القليلة أصبحت أمام قصة توبة فريدة من نوعها ... فهذا هو الهزيع الأخير ... ولكن إلهنا يخلص ... ويحيي من الموت ما قد هلك ...

عادت السيدة تسألني بنفس كسيرة: هل بعد كل هذا يوجد رجاء ؟؟؟ !!!

سرت في نفسي قشعريرة رهيبة ... وإنبرى لساني ينطق بكلمات رجاء وقوة لم أنطقها في حياتي ... تخيلت شخص المسيح مخلصنا الصالح وهو يفتدي غنمة صغيرة من فم الأسد ... كاد يبتلعها ... بل قد مضى زمان الافتقاد وها هي على حافة الهاوية ... ولكن مبارك الله الذي ينجي نفسي من الموت وعيني من الدموع ورجلي من الزلل ...

قلت إن مخلص اللص اليمين قائم وحاضر وقادر ... ومبرر الفاجر قائم من الأموات ... وأن خطايانا مهما تعاظمت لا تقوى على الوجود إن نحن إلتجأنا بإيمان وتوبة للقادر أن يخلص إلى التمام ... وبمثل هذا الكلام كنت أعزيها ...

أشرق وجهها بنور رجاء ... وكانت عيناها تسح دموعا كالنهر ... ولكن وجهها كان مرتاحا وملامحها تغيرت كمن أشرقت عليها الشمس !!!

قالت متسائلة بنبرة عجيبة ... أنا أثق في كل كلمة قلتها لي أن الرب يقبلني ... فهل تناولني ما حرمت منه أكثر من ثلاثين سنة ؟؟؟
قلت لها: بكل تأكيد
قالت: ضع صليبك عليّ وحاللني ...
وقفت لأصلي التحليل ... ولم أتمالك نفسي من البكاء ... وإنصرفت على أن أعود إليها في الغد لكي أناولها ...

أسرعت إلى أبينا بيشوي كامل ... أخبرته بكل شيء ... ملك علينا التأثر ... وأخبرته عما فعلت وعما وعدتها به من أجل التناول ...
قال لي أبونا بيشوي: دعنا نصلي لكي يمك الله في أجلها إلى الغد حتى تتناول فتتعزى نفسها وترقد على الرجاء ... وقد كان ...

صليت قداسا في الصباح الباكر وذهبت مع الأخت المسيحية وهي منذهلة مما يحدث ... وألف سؤال يدور في رأسها ...
دخلنا إلى السيدة ... شكرتُ المسيح أيما شكر إذ وجدتها منتظرة متيقظة ... عندما دخلت حجرتها أغمضت عينيها ... وبكل ما ملكت من قوة قالت:
مبارك الآتي باسم الرب ...
صليت وناولتها ... ولم أر في حياتي هذا الفرح في أحد يتناول ...

لا أنسى هذا اليوم ما حييت ... وكأن هذه الساعة لم تكن من ساعات هذا العالم ... بل هي حقا يوم من أيام السماء على الأرض ...

وكان فرح في السماء ... فما هي إلا ساعات قليلة وإنطلقت هذه النفس إلى الذي أحبها ... وخلصها في الهزيع الأخير ...

القصة منقولة باختصار من كتاب: ...

المؤلف: القمص لوقا سيداروس
الكتاب: رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر: كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء الثالث - الصفحات من 19 - 26