Wednesday, October 23, 2013

يعطيك الرب سؤل قلبك

يعطيك الرب سؤل قلبك

من الأحباء الذين عاصروا بداية كنيسة مارجرجس باسبورتنج، عائلة متدينة ملتصقة بالكنيسة، نزحت من المنصورة منذ زمن ثم ارتبطت هذه الأسرة بأبينا بيشوي ارتباطًا روحيًا وثيقًا ...فرب الأسرة رجل ملتزم يحيا في خوف الله وله تاريخ حي مع المسيح وعشرة طيبة، والزوجة فاضلة بمعنى الكلمة ... ربت الأولاد في خوف الله فنشأوا جميعًا خدامًا وشمامسة محبين لله ملتصقين بوصاياه  ... شيء شهي للنفس أن تراه، إذ تجد هذا المناخ الروحي المفرح الذي إذا نمت النفس فيه تجد سندًا، وأى سند ضد تيارات الشر التي في العالم .تخرج الإبن الأكبر من الجامعة وشغل منصبًا ممتازًا، وهو إذ صار في سن الزواج رزقه الله بفتاة متدينة من عائلة محبة للمسيح وكان أن ارتبط بها وقد فرح به أبواه كباكورة للفرح وكعربون للسعادة الأبدية .

كانت الزوجة الشابة قد أنعم الله عليها بقلب نقي عجيب، وبساطة طفولية وبراءة نقية من شوائب الدنيا ... وكانت تعترف عليّ ، إذ قد تركت بلدها وأب اعترافها بعد أن تزوجت وعاشت في الإسكندرية  ..فكنت أجد فيها صورة لنقاوة القلب وبساطة الحياة وكنت أدعو لها دائمًا أن تنمو في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح .

جاءتني مرة تقول : هل كل طلبة نطلبها من الله يستجيبها؟ 
قلت لها :نحن تعودنا أن نضع طلبتنا أمام الله ونثق في حبه لنا، وأنه يختار ما هو الصالح لحياتنا والنافع لأبديتنا ويعطينا حسب غنى نعمته الفائقة وحسب قلبنا المتجه إليه لأنه مكتوب  "يعطيك الرب بحسب قلبك  "...
قالت :ولكني أطلب من الله بكل ثقة وإيمان ولكنه في نفس الوقت طلب غريب !
قلت :وما هو طلبك؟ 
قالت :إنني أطلب من الرب أن يعطيني بنتين توأم  ....
سأكون في غاية الفرح، إذ ينميا أختين متحابتين، أعتني بهما معًا وألبسهما ثيابًا بنفس الشكل وأمشط شعرهما بنفس الطريقة ... وهذه هي أمنيتي وطلبتي لدى الله . 
وكنت أنا أندهش من هذا الكلام وخيل إليّ أنها أحلام طفولية ساذجة، 
وكيف تكون هذه الأمور في حد ذاتها طلبة !
ولكني كنت أراجع نفسي وأقول ما شأني أنا؟ إنها تطلب من قابل
الصلاة والذي قال " اطلبوا تجدوا، اسألوا تعطوا "...فماذا لىّ أنا في تقييم الصلاة أو قبولها ...دعها وشأنها وهو العارف قلوب البشر وهو الذي يعطي بسخاء ولا يعيّر .
لذلك كت أجيبها أنه مهما طلبنا فهو يسمع ولكن استجابة الصلاة أمر يعرفه هو وحده ... 
ثم رجعت بعد عده شهور وأعلمتني أنها حامل وأنها مازالت تكرر الطلب والسؤال لدى الله متشفعة بالقديسة الطاهرة مريم والشهيد العظيم مارجرجس  ..وكنت أصلي لها وأتعجب من إيمانها .

جاءتني يومًا وهي في غاية الانفعال وهي تقول تصور أنني دخلت إلى الكنيسة اليوم و ذهبت لأوقد شمعة أمام أيقونة مارجرجس، وإذا الشمعة بها فتيلتين، فكدت أطير من الفرح وكأن الله يكلمني بصوت أكثر وضوح من أى صوت ... 
ألا تعتبر هذه إشارة من الله؟ 
وبالحق لم يكن في عقلي أوفمي جواب، ولكني كنت أقول لها الله قادر على كل شيء .
ثم جاءت إليّ في يوم آخر وعليها علامات الفرح بأكثر وضوح وثقة في إيمان راسخ وقالت ليّ :
مرة أخرى ونحن بعد الغذاء مددت يدي وأخذت موزة لآكلها ...فتحتها وإذا هي توأم موزتان في واحدة 
لم يكن أيامها أجهزة من التي تكشف عن الأجنة في بطون أمهاتها ...وكان نوع الطفل
لا يعرف إلا عند الولادة .
أكملت أيامها بسلام وعند الولادة إذ بها تضع توأم بنتين ...
كم كانت فرحتها ليس فقط بالبنتين بل أن الله استجاب طلبتها وسمع صلاتها .

كنت أتعجب في نفسي من هذا الإيمان الواثق والقلوب البسيطة التي تستطيع أن تأخذ من الله بطريقة يصعب التعبير عنها وقد ريتهما كما طلبت من الله وكبرتا تترعرعان في حضن البيعة المقدسة كزهرتان مغروستان على مجاري مياه الروح .
إلى هنا أعاننا الرب .

منقول من : ...
المؤلف: جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء الثالث

Tuesday, October 15, 2013

طبيب يحيا حياة الصلاة

طبيب يحيا حياة الصلاة

الأطباء الذين يتعاملون مع جسد الإنسان حين يضعف وتعصف به عواصف الأمراض هم أقدر الناس على معرفة حقيقية الإنسان من جهة ضعف الجسد وكم هو زائل. والذين تربطني بهم صلة من الأطباء، كنت أوجه نظرهم دائمًا إلى أمور غايه في الخطورة لكي يتمجد الله بهم وفيهم . 

فالأمر الأول الذي لا يحتاج إلى برهان ... أن الجسد الذي نحيا فيه هو غاية في الضعف .فلا مجال إذن للتباهي والتعالي والاتكال على الذات أو المعرفة أو الخبرة التي تقود الإنسان إلى هوة الكبرياء .. فرؤية الجسد على حقيقته في المرضى، هو هو رؤية الإنسان لذاته وإدراكه مقدار حقارة طبيعتنا وضعفها .هذا هو سبيل الاتضاع في حياة الطبيب .

وقد قرأت قصة عن طبيب كان قد فاق في علمه أهل زمانه فهو من رواد علاج مرض السرطان، ولكنه كان يتعامل مع المرضى كإله متعال ...يتكلم عبارات مقتضبة، وكلمات قليلة وكأن قلبه قد صار من صخر، فهو بالنسبة للمرضى بلا إحساس وبلا تقدير للآلام .وقد حدث في حياة هذا الطبيب ما لم يكن في الحسبان، فقد أُصيب هو بمرض السرطان، ثم بدأ في سلسلة الآلام والعلاجات ... نفس المشوار الذي كان يراه في الناس ... ولكنه في هذه المرة محسوس بكل المقاييس، ولحسن حظه فإن العلاج أتى بنتيجة إيجابية فشفى من مرضه ...وبالحقيقة كان قد شفى من المرض الأخطر وهو الكبرياء، 

فعاد إلى عمله وإلى مرضاه إنسانًا جديدًا رحيمًا شفوقًا غاية الشفقة، إذ صار المرضى بالنسبة له كجسده الخاص .
هكذا كنا نوجه نظر الأحباء إلى هذه الحقيقة منذ بداية حياتهم المهنية ..وهكذا نما كثيرون نموًا، مطردًا ليس من جهة ما أصابوا من النجاح والشهرة بحسب المجال الطبي، بل بحسب نمو إدراكهم الروحي وانفتاح وعيهم على هذه الحقيقة والعيش بمقتضاها .

ثمة أمر آخر كنا ننبه إليه الأذهان ... إن قدرات الإنسان محدودة مهما سمت وإنه "إن لم يبن الرب البيت فباطلاً يتعب البناؤون ".. على ذلك يتفكر الإنسان دائمًا أن الله هو الوحيد الذي يعرف سر مرض الإنسان لأنه صُنع يديه وهو مكوّنه في الأحشاء قبل أن يولد .فالطبيب الناجح يدرك دائمًا أن يد الله هي الى تمتد وتمنح شفاءً للنفس والجسد معًا .. فالمسيح هو طبيب الأرواح والأجساد، فإن سمح الرب واستخدم آنية ضعيفة فلكي يتمجد هو ...فلذلك نعطي المجد اللائق لله حين ينجح طريقنا ونشكره ان استخدمنا لمجده .

وقد عاش كثيرون من الأحباء ملتصقين بالرب يمجدونه في كل يوم وفي كل ساعة ويشعرون بصدق مواعيد الله الأمينة وقد حدثت في حياة الكثير منهم أمور يتعجب منها .

من الأمثلة الحية التي شهدت لنعمة المسيح وعمل الروح القدس، أحد أحبائنا وهو طبيب مشهور التصق بالرب منذ شبابه المبكر، إذ كان يتردد على أبينا مينا المتوحد في مصر القديمة يعترف عليه ويسترشد بنصائحه الأبوية، فلما اعتلى البابا كيرلس عرش مارمرقس الإنجيلي

وكان هذا الأخ قد تخرج من كلية الطب منذ سنوات وصار طبيبًا للبابا في فترات إقامته بالإسكندرية ودير مارمينا .و كان البابا يأنس إليه ويحبه ويشجعه على الطريق الروحي ...إذ كان هذا الأخ قد كرس نفسه أن يحيا بتولاً متقدسًا وهو في العالم .
وقد كانت حياته الروحية تظهر في غاية الوضوح مشهودًا، لها من الجميع مؤمنين أو غيرهم .

وإذ ذاع صيت فضائله وعلمه وعمل الله معه صار من أشهر الأطباء وأكثرهم زحامًا .. وكان طويل الروح دائم البشاشة كثير الصلاة .
لم يكن يضع يده ليكتب دواء لإنسان إلا ويرفع قلبه لله في صلاة قصيرة، وكان الناس يظنون أنه يعصر فكره ويركزه لكي يكتب الدواء المناسب، بينما كان هو يطلب نعمة ويطلب معونة الله ويمجده من أجل أعمال حبه ورحمته .وقد أكرم الله هذا الأخ بقلب عجيب في المحبة وعميق في الاتضاع، سخي في العطاء وقد صار مجال عمله مجال خدمة المسيح، فقراء كثيرون كانوا يجدون فيه حب المسيح الحاني، فكان يعالج ويصرف الدواء ويعطي معونات في الخفاء .

لقد مارس عمل الخدمة الباذلة آلاف المرات ومع جميع أصناف الناس وبلا تمييز أو محاباة، فحين كان يعالج أحدًا، من مرضاه ويشعر أن حالته حرجة، ما كان يترك منزله بل يكرس وقته حتى إلى ساعات طويلة إلى جوار فراشه ...وإن لزم الأمر ينزل بنفسه مسرعًا في منتصف الليل أو قبل الفجر إلى الصيدلية الوحيدة في محطة الرمل التي يتوفر فيها الأدوية في مثل هذه الأوقات ويعود بلهفة يتابع الحالة ويسهر بنفسه دون تكليف من أحد غير ناظر إلى أى اعتبار ... وعبثًا حاول أحد أن يكافئه عن هذا العمل ...فلم يتقاض عن مثل هذه الأعمال أجرًا من إنسان أيًا كان، حتى الأدوية التي كان يشتريها في مثل هذه الحالات وهي مكلفة جدًا لم يكن يأخذ ثمنها من أحد .

كان تصرفه عجيبًا في عيون الناس، لم يكن كباقي الأطباء الذين يؤدون واجبًا بل كان تكليفه من الله أن يعمل رحمة مع جميع الناس . فأحبه الناس حبًا فائقًا إذ رأوا فيه صورة نادرة من صور الحب المجاني الذي اقتناه من الذي بذل نفسه لأجلنا .
......................................

منقول من 

المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء : الثالث

Thursday, October 10, 2013

الصلاة الدائمة

الصلاة الدائمة

صلوا كل حين ... صلوا بلا انقطاع .. كانت هذه الآيات هي محور الحياة في قصة السائح الروسي  ...الذي قضى العمر كله في هذا الاختبار العجيب إذ صارت حياته كلها صلاة وصلاته كلها حياة  ... فلا فصل بين الحياة والصلاة ... أما أنا فصلاة  ... وقد ساعد السائح في هذا المجال أقوال الآباء الكبار قديسى البرية الذين كرسوا حياتهم في اختبار الصلاة وقد دوّنوا أقوالهم الحية في كتاب الفيلوكاليا . وهو من الكتب الروحية التي ترجم أبونا بيشوي كامل جزءاً منه . على أننا في حياتنا وسعينا في العالم قد لا نحرم من هذه المتعة إذا صار فينا هذا الاشتياق ... 
إذا أخلصنا في التدرب على حياة الصلاة، وهذا ليس مستحيلا بل يحتاج إخلاص وصبر وممارسة .وقد كان أبونا بيشوي يعطي أولاده في الاعتراف تداريب على الصلاة الدائمة مثل صلاة يسوع  ... ويحبب إليهم النطق بالإسم الغالي كثيرًا ومناداة اسم الخلاص الذي لربنا يسوع المسيح  ...أو صلاة اللهم التفت إلى معونتي ... وكان يسميه مزمور النجدة وكان يسمي هذه الصلوات الصلاة السهمية ..  أي أنها صلاة قصيرة ولكنها فعالة كالسهم السريع الحاد .وقد تدرب كثيرون من كل فئات الشعب إذ وَجَدوا في اسم الرب يسوع فعلاً برجًا حصينًا يركض إليه الصديق ويتمنع .

ومن المواقف التي لا تُنسى أذكرأننا كنا سويًا في سيارته ونحن في بعض الزيارات في منطقة الكنيسة، 
وفجأة قال لي : هلم فأريك منظرًا جميلاً، 
قلت له : أين؟ 
فأوقف سيارته، ثم أشار بيده إلى إحدى العمارات
وقال :انظر إلى البواب ... فلان هل تعرفه؟ 
قلت : نعم أعرفه  ... 
قال :هل ترى ماذا يفعل؟ 
فلما حققت النظر، وجدت البواب جالسًا أمام العمارة مطرقًا برأسه إلى أسفل، 
فقلت لأبونا ماذا يفعل؟ 
قال لي إنه يصلي ... لقد تعلم الصلاة بالأجبية وهو يواظب عليها طول النهار والليل، يجلس أمام
باب العمارة يصلي ولاينشغل بشيء إلا بال صلاة ورفع القلب لله . 
وجلسنا في السيارة ونحن نتحدث عن فاعلية الصلاة والتمتع بها مهما كان عمل الإنسان، فإنه لا يمكن أن يشغله عن الصلاة متى تعلق قلب الإنسان بها .
وفي أثناء ذلك علا صوت إحدى ساكنات العمارة تنادي البواب ليقضي لها طلبًا فوجدته للحال يرد عليها مجاوبًا و بكل وداعة وهدوء وضع الأجبية في جيبه وتطلع إلى مصدر الصوت ...أنزلت السيدة سلة من أعلى، فالتقط ما بها من نقود وانطلق يشتري لها ما أرادت ... 
وقال لي أبونا أن جميع سكان العمارة والجيران والمحيطين يحبون هذا الرجل حبًا عجيبًا لكثرة أدبه وطاعته وسرعة خدمته وأمانته، وهم لا يعرفون أن مصدر الجاذبية هي حياة الصلاة الدائمة والصلة بالمسيح التي يحياها هذا الرجل البسيط بكل الصدق والإخلاص .

وقد تذكرت أيضًا زميل لي - وهو صديق عمري - كان يعمل معيدًا بالجامعة، وقد ملكت حياة الصلاة على كل مشاعره وأحاسيس قلبه فكان يلهج في ناموس الر ب نهارًا و ليلاً .وكان في أثناء تأدية عمله يشتاق إلى الصلاة، فكان كلما ملأ السبورة التي يشرح عليها للطلبه كلامًا، يرفض أن يقوم أحد الطلبة بمحو ما هو مكتوب عليها، ويصر أنه هو بنفسه يفعل ذلك، فيلتفت إلى ناحية السبورة، ويأخذ بيده "البشاورة " ويبدأ بمسح السبورة بنظام من أعلى إلى أسفل وفي خطوط متوازية وبهدوء شديد ...وكان الطلاب يعزون ذلك إلى شدة النظام وال نظافة التي يتحلى بها هذا الأخ والواقع أنه كان ينتهز هذه الفرصة لينال دقائق في صلاة عميقة يخرج بها من دائرة العمل ومن جدران الفصل ومن مباني الجامعة بل ومن حدود ال عالم المادي المرئي إلى أجواء الروح العليا ... لأن الذي اختبر قوة الصلاة يعلم أنها رفع العقل والقلب إلى الله، فالقلب والعقل يختطفا في لحظه إلى السماء، إذا كان الروح نشيطًا في الأنسان، ولا يحتاج الأمر إلى زمن، إذ أن الاستعداد إلى التحليق في الروحيات كائن ونار الروح متأججة لا تنطفيء .

ورأيت في حياتي مثلاً آخر لحياة الصلاة بلا تكلف ... فحين تصدر الصلاة طبيعية تصير كلازمة من لوازم الحياة ... تكون مثل التنفس للجسد فهي تحدث بصورة تلقائية عفوية دون تغصب أو أجتهاد ودون تمثيل أو محاولة للتقليد .

أعرف سيدة في المسيح، عاشت الحياة المسيحية غاية في البساطة والعمق في آن واحد، وقد كنت أتردد على منزلها كثيرًا، إذ تربطني بها صلة قرابة وثيقة .. كنت أراها وهي في مطبخ منزلها، الذي
كانت تقضي فيه ساعات طويلة تخدم أسرتها بكل الحب والاتضاع والبذل ...تلبس " مريلة " فوق ملابسها وفي جيب المريلة توجد الأجبية  ...

فكل ما تحين لها فرصة أثناء عمل المطبخ ولو إلى دقائق تخرج أجبيتها وترفع قلبها بالصلاة ولو مزمور واحد ... وهكذا كانت كل الأيام ...وكنت أتباسط معها الحديث وأقول الأكل حلو لأنه معمول بالمزامير ...فكانت في اتضاع وخجل تقول 
مزامير إيه بس واحنا بنصلي إيه وفين الوقت اللي بنقضيه مع رينا ...
دا الواحد مكسوف إنه بينشغل بالحاجات دي  ...
والواقع أنه لم يكن شيء ليشغلها عن الصلاة والقراءات والحياة الهادئة، فهي وإن كانت بحسب الظاهر كمثل مرثا تعمل الخدمات الكثيرة ولكنها حازت قلب مريم المصلية الهادئة التي اختارت النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها. 

ومن الأمور التي شهد بها جميع عارفيها أن حياة الصلاة الحقيقية قد طبعت عليها لونًا من الوداعة عجيب، في هدوء صوتها الخفيض الذي لم أسمعها غاضبة أو مرتفعة الصوت أو محتدة، بل في
هدوء الملائكة عاشت أيام السماء على الأرض وقد زانتها حياة الصلاة بزينة الروح القدس الوديع الهاديء الذي هو قدام الله كثير الثمن حتى
انطلقت إلى المجد، وعبرت كعبور النسيم الهاديء .
.................................................

منقول من : ...

المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء : الثالث

Wednesday, October 9, 2013

المعمودية المقدسة

المعمودية المقدسة

في يوم من أيام الآحاد سنة 1967 بعد نهاية القداس الإلهي ونحن نصرف الشعب، و إذا بسيدة فقيرة تحمل طفلاً صغيرًا، تقدمت وطلبت من أبونا بيشوي كامل أن يعمد لها الطفل لأنه مريض وهي تخشى أن يموت دون عماد .كان أبونا بيشوي يومها يحمل الأسرار المقدسة وهو ذاهب ليناول مريضًا في إحدى المستشفيات .التفت إلىّ أبونا بيشوي وقال للمرأة أبونا ممكن يعمده .. نظرت إلى الطفل الذي تحمله وإذا هو شبه ميت، لونه أصفر مائل إلى الزرقة وعيناه مغمضتان متورمتان ويتنفس بصعوبة بالغة ..والحق يقال أنني خفت وخشيت أن أعمد مثل هذا الطفل، فإن كان وهو على هذه الحال يتنفس هكذا بصعوبة، فماذا يكون الحال عندما يغطس تمامًا في ماء المعمودية؟ وتخيلت أنه يموت بين يدى ... فقلت لأبينا بيشوي :أنا لا أستطيع، فالطفل سوف لا يحتمل، وأنا خائف .ساعتها كان يقف بيننا شماس صغير، وكان منصتًا لما يدور بيننا فهتف الشماس قائلا:
هو حد بيموت من المعمودية؟ "
فالتفت أبونا بيشوى إلى الشماس ثم استدار فقال ليّ :
عمده على إيمان الولد ده إذا كنت خائف .
وتركني ومضى إلى المستشفى لكي يناول المريض المنتظر هناك .

ذهبت إلى حجرة ال معمودية مرغمًا، وصليت على الطفل، وكنت بين الحين والآخر أنظر إليه، هل هو حي بعد؟ ...انتهيت من الصلوات، وكنت في داخلي أصلي من أجل أن يعطيني الرب هذا الإيمان ويطرد عني الخوف .
بعد جحد الشيطان، ثم الإقرار بالإيمان بالمسيح، دهنت الطفل بزيت الغليلاون و أكملت الصلوات المكتوبة .ئم أخذت الطفل من يد أمه بحرص شديد وأنزلته في المعمودية وأنا أقول أعمدك يا ... باسم الآب والإبن والروح القدس،
ثم غطسته بسرعة في الماء المقدس وانتشلته، وأنا أقول لنفسي هل مازال حيًا؟
هل فيه نفس؟ وإذ رأيته يشهق ثم تنفس كم شكرت الله .
ثم دهنته بالميرون المقدس.
وألبسته ملابس المعمودية، ثم شددته بالزنار وطاف به الشمامسة البيعة المقدسة ثم حللنا الزنار، وقرأت لها الوصية وصرفتها بسلام و قلت لها في أول قداس ممكن يتناول إذا عاش !

عاد بعدها أبونا بيشوي وسألني :هل عمدت الطفل؟
قلت :نعم ، إنها أول خبرة لي مع مثل هذه الحالات،
وقلت له سامحني فأنا كنت في خوف لئلا يموت الولد في يدي ولا يحتمل أن يغطس في ماء المعمودية .
طمأنني أبونا بيشوي وقال لابد أن يكون لنا نحن الكهنة إيمان عميق وقوي بفاعلية الأسرار الإلهية ... أليست المعمودية هي القيامة ...فنحن ندفن في المعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات نقوم نحن في الحياة الجديدة .
ثم قص لىّ قصة أنه في أيام خدمته الأولى وكان يعمد طفلة لأسرة غنية وفي أثناء الصلوات قبل المعمودية حضرت امرإة فقيرة تحمل طفلاً صغيرًا، وقالت ممكن أعمد ابني فقال لها أبونا ممكن وأكمل الصلوات للطفلين، ولما خلعت المرأة الفقيرة ملابس ابنها وإذ جسمه مملوء دمامل، فتأففت الأم الغنية من المنظر وقالت لأبونا ... لا يمكن أن أعمد ابنتي مع هذا الطفل لئلا يصيبها هذا المرض، فحاول أبونا اقناعها أن الأسرار المقدسة فيها قوة إلهية فائقة ... فلم تقتنع وأصرت أن ابنتها تنزل
المعمودية أولاً .
لم يرد أبونا أن يؤزم الموقف، لضيق الوقت، لأنه كان قبل القداس، ولايتسع الوقت لكثرة الجدال ... فعمد البنت أولأ ثم الولد الفقير، وهو يتأسف في نفسه على قلة الإيمان والنظرة المادية للأسرار .وفي الأسبوع التالي حضرت المرأة الفقيرة مع طفلها وقد تعافى تمامًا، بينما كانت الأم الغنية تشتكي أن صحة ابنتها ليست على ما يرام ...فأراها أبونا الطفل الفقير وقال لها :
لقلة إيماننا نحن لا نحصل على كثيرمن النعم، وقادها إلى التوبة وتقوى إيمانها وكانت دائمًا تذكر هذه الحادثة لكثيرين وهي تمجد الله .

سمعت هذا الكلام وتأثرت وكنت أنتظر حتى أرى الطفل الذي عمدته ترى ماذا حدث له . لا أذكر أنني أخذت عنوان السيدة الفقيرة فهي غالبًا من الحضرة أو عزبة المطار، ولأ أذكر حتى اسمها ... وسألت أبونا بيشوي فقال إنه لا يعرفها .
مضت عدة أسابيع، وفي يوم أحد بعد القداس إذ السيدة الفقيرة أمامي فأسرعت إليها أسأل كيف حال طفلك؟ فأشارت باصبعها، فنظرت إذ الطفل يحبو في أرض الكنيسة، وجهه مشرق و مكتمل الصحة ... حملته بين ذراعي وكنت أقبله وأنا غير مصدق من الفرح، لقد تبدل الإنسان الميت وصارت فيه قوة حياة جديدة .
........................................

منقول من

المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء : الثالث

Thursday, October 3, 2013

لا تغرب الشمس على غيظكم ...

استصحبني المتنيح القمص متياس روفائيل في أثناء رحلة بصعيد مصر كنا فيها معًا لأمور تخص الكنيسة في سنة 1972 ، وفي طريق عودتنا زرنا قرية دير النغاميش ... وهي قرية كل سكانها أقارب وهي مسقط رأس البابا يوساب الثاني وأقاربه من الكهنة والرهبان ... وجو القرية يوحي بالبساطة الشديدة والمحبة والحياة المسيحية فيها كأنها بكر لم يفسد العالم نضارتها وبلا علم وبلا فلسفة فإنهم يمارسون الفضائل المسيحية إذ يتسلمها جيل الصغار عن آبائهم بلا تكلف . 

وفيما نحن نخطو في درب صغير ينتهي بمنزل الأسرة التي نشأ فيها أبينا متياس روفائيل - نيح الله نفسه -بدأ يحكي لي عن أقاربه وجده القس بطرس وأعمامه ... 

ومن النوادر التي أذكرها أن اثنين من أولاد العمومة وكانوا وقتذاك في الخسمينات من عمرهما وكانا معتبرين من المتقدمين في العائلة ... بينما هما في الحقل خارج القرية وفي عصر يوم من الأيام حدثت بينهما مناقشة كلامية ناتجة عن سوء فهم وتغاضبا بصياح ...
فترك أحدهما الآخر ورجع إلى القرية ... كانا هما منفردان في الحقل لم يكن أحد معهما .. وكأن الأمر بينهما قد انتهى بنهاية هذه المناقشة وكأن شيئًا لم يكن، إذ أن الموضوع الذي كانا يتناقشان حوله موضوع تافه .

وبعد ساعة من هذا الأمر جاء الرجل الذي ترك ابن عمه وعاد إلى القرية إلى بيت ابن عمه ونادى قائلاً :سلام ...هل فلان هنا؟ ...
فرد عليه من فى البيت :لا يا عم ... فلان مازال في الحقل تفضل ...
قال : لا متشكر .وعاد راجعًا وبعدها بعشر دقائق أو ربع ساعة، عاد يقول : ...
إيه فلان لم يأتِ بعد؟ 
قالوا له : لا ..لم يأت بعد، تفضل ... لماذا؟ ...فنظر إلى فوق نحو السماء ...
وقال :لا معلهش ...آجى مرة أخرى .

وتكرر هذا الأمر أربع أو خمس مرات خلال الساعة ... حتى تعجب أهل البيت وقالوا ماذا في الأمر، ليس من عادتك أن تفعل هذا .

وكان الرجل قلقًا جدًا وكلما لا يجد ابن عمه قد رجع، ينظر إلى السماء وقد بدت عليه علامات القلق. ولما وجده قد تأخر هكذا ... أسرع متجهًا نحو الطريق خارج القرية الذي يؤدي إلى الحقل ... 

كانت الشمس قد قاربت على المغيب وكان الرجل يركُض وهو شيخ مسّن وهناك في الطريق وجد ابن عمه راجعًا ...فلاقاه ووقع على عنقه مقبلاً إياه طالبًا السماح ...
وكان ابن عمه يقول بل أنا يا أخي المخطيء إليك وأنت تأتي إليّ ...
فكان يقول بل أنا أخطأت أنا رفعت صوتي ... سامحني ...خشيت أن تغرب الشمس. أنا قد أحزنتك ... والرب قال : " لا تغرب الشمس على غيظكم ".
ولما عُرِفَت القصة بأكملها عَلِم الكل أن الرجل كان قلقًا لئلا تغرب الشمس وهو يشعر أنه قد كدّر أخيه ...
إلى هذا الحد كانوا يعيشون الإنجيل بالروح والنص معًا في بساطة متناهية وتدقيق مذهل للعقل .

فلما سمعت هذه القصة تأسفت في نفسي على ما أرى وما أسمع كل يوم من مشاحنات ومخاصمات بل ومحاكم وبغضة وفرقة، بل حتى الإيذاء، 
كيف يعيش الإنسان المسيحي في عداوة؟ وهو تلميذ المحبة ! 
كيف يستطيع أن يبغض إنسانًا أو يحقد على أحد ؟ 
بل والأدهى كيف يدوم في العداوة لا أيامًا بل سنين؟ 
وقلت إننا عدمنا الحياة المسيحية برمتها .
وحين حفظ هؤلاء المحبة ... عرف الجميع أنهم تلا ميذ الرب بحسب قوله 
" بهذا يعرف الناس أنكم تلاميذي إذا كان لكم حب بعضكم لبعض ".
إن مثلاً واحدًا من هذه الأمثلة الشاهدة للمسيح لهو أبلغ من مئات العظات وآلاف الكتب . لأنه ليس بعد شهادة الحياة شهادة وليس أقوى من حفظ وصايا المسيح قوة في الحياة .

يا رب انعم على أولادك بنعمة السلام القائم على المحبة الحقيقية واحفظهم من البغضة والانقسام وكل ما هو ضدك أيها الحب الإلهي الدائم إلى الأبد .
..........................................................

منقول من : ...

المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء : الثالث

Sunday, September 29, 2013

المثال المسيحي


من أمثلة الأمانة العجيبة والتدقيق ما رأيته في أحد الأسا تذة في كلية العلوم وهو رجل كان مشهودًا له بعلمه في كل الأوساط ومعروفًا بأدبه الجم وخلقه الكريم، شخصية مسيحية بالدرجة الأولى، لم ينطق لسانه كلمة نابية ولم يعرفه أحد إلا جادًا وديعًا مجاملاً محتملاً  ... ولم يره أحد قط غاضبًا أو رافعًا صوته ... 

كان بين الكل كرائحة زكية وكانت حياته كجدول مياه يجرى في هدوء، يروى ويسقي والكل ينعم به. كانت هذه السيرة الحية سبب حياة كثيرين، جذبت نفوسًا متغربة كان في حكمة وبساطة ينصح تلاميذه للحياة الأفضل وكان سلوكه أكبر شاهد يثبت قوله ويؤازره صدق كلامه .

جاءني في بداية السبعينات  - شاب في العشرينات من عمره  - كان يسكن بجوار الكنيسة ولكنه كان بعيدًا عنها في ذات الوقت . تعب معه خدام كثيرون وعبثًا حاولوا أن يردوه عن طريق غيّه  ...زاره أبونا بيشوي مرات، وكان الشاب يراوغ، ويعد ولا يفي وأخيرًا كان يتهرب من أبونا بيشوي  ...وفي مثل هذه الحالات كان أبونا يلجأ للصلاة التي كانت تقتدر كثيرًا .

جاءني الشاب وكنت قد انتهيت من اجتماع الشباب وجلست أتلقى الاعترافات وجلس إلى جواري وقال :أنا أريد أن أتوب . كم فرحت لمجرد رؤية هذا الشاب راجعًا، ونيته الصادقة للتوبة وتغيير الحياة .
قال :منذ أيام أقلعت عن التدخين، وتركت كل رفقة السوء، بنية صادقة وعزم أكيد، وأرجوك أن تساعدني في أن أسير في طريق توبتي ...علمني كيف أقرأ الإنجيل وعلمني أن أصلي .

وبعد أن سمعت اعترافًا صادقًا بدموع غزيرة وقرأت له التحليل، وأنا في غاية التأثر سألته من باب الفضول :
ماذا دفعك بهذا الدافع القوي لبداية الحياة مع المسيح، هل سمعت عظة مؤثرة؟ 
قا ل :لا  ...
هل ذهبت إلى أحد الأديرة أوتقابلت مع أحد الآباء؟ 
قال :لا .
هل سمعت عن مرض أحد أو فقد أحد الأحباء؟ 
قال : لا 
قلت ماذا إذن؟ 
قال : منذ بداية السنة الدراسية والأستاذ الدكتور فلان يدرس لنا، وقد أسرني أنا وغيري بأخلاقه العالية وكنا جميعًا نُجِلّ الرجل و نحترمه .ومنذ أيام وفي أثناء المحاضرة، لفت الأستاذ نظر أحد الطلبة أن ينتبه، وهذا الطالب بالذات شاذ في سلوكه عنيف غاية العنف ومتعصب جدًا و كل واحد يتجنب الاحتكاك به أوحتى الاقتراب منه ... 

وكان الأستاذ يتكلم إليه بلطف شديد وأسلوب مهذب  ...
ونفاجأ ببركان ثائر من الطالب غير المهذب، انهال على الأستاذ سبابًا
وشتائم، وبأسلوب غبي تطاول على المسيحية، وحوّل الأمر بدون مقدمات إلى احتكاك ديني ... شيء مذهل كهرب جو المدرج كله والدكتور واقف صامت، لم تتغير ملامح وجهه ولا اضطرب من الشتائم ولم يعلق بكلمة واحدة، بل في هدوء عجيب قابل هذا الهيجان المضطرب، ..

هاج المدرج، صياح هنا وهناك وطلبة مسلمين قاموا يعارضون الطالب وكادوا يشتبكون بالأيادى ...وهنا وجدت الدكتور يمسك بالميكروفون وفي حزم جاد أعاد السكون للمدرج .

ثم قال مخاطبًا الطالب ...يا ابني أنا متأسف إذا كنت قد أزعجتك حين لفتُّ نظرك إلى الانتباه إلى المحاضرة ... ولكن صدقني انا أقصد مصلحتك .أما أنا كوالد فلابد أن أحتمل أولادي حتى في ساعات الغضب، وما يربطني بكم هو رباط أب لأولاده أكثر من رباط محاضر وتلاميذ 

وأنا من حقي كأستاذ أن أحاكمك على هذا الفعل وأستطيع ذلك وأكثر ولكن من واجبي كأب أن أحتملك وأغفر لك، وأنا أحب أن أكون أبًا أكثر من أن أكون أستاذًا . ..

ولدهشة الجميع وجدنا هذا الطالب يجري نحو الأستاذ ويحاول أن يقبّل قدمه 
ويقول :سامحني يادكتور أنا غلطان وأنت ماتستاهلش شيء وحش .
وأقامه الدكتور محتضنًا إياه يقبله ويقول كلكم أولادي وأنا باحبكم ...

ودوى المدرج بالتصفيق  ...وأكمل الأستاذ المحاضرة بعد أن ترك فينا أثرًا عميقًا .ساعتها قلت في نفسي هذه هي الحياة الفضلى وأنا لابد أن أعيشها، هذه هي الحياة بالمسيح وغيرها لا يسمى حياة ...ومن ساعتها عزمت على الحياة بالمسيح وقررت التوبة والاعتراف إذ عاينت قوة الحياة المسيحية وكيف تتغلب على شر الأشرار .

قلت له يا ابني هكذا الشهداء الأبرار شهود المسيحية كانوا يجتذبون بصبرهم على الآلام وغفرانهم حتى للذين عذبوهم وآذوهم. كانوا يحوّلون الوثنيين إلى الإيمان بالمسيح .فما أقوى حياة الشهادة للمسيح وما أعظم أثرها .

وقد عاش هذا الرجل البار مشهودًا له في جيله، أي من الكنيسة ومن الذين هم من خارج ...وقد أكمل سعيه الصالح عائشًا بالكمال المسيحي وكان بيته بالحق كنيسة مقدسة هو وزجته كانا بارين ولم يكن لهما ولد ...

ولما رقد في الرب وكنا في بيته قال ليّ أحد زملائه الأقربين الذين عاشوا معه بصلة روحية وصداقة مسيحية، قال ليّ أنه - رحمه الله  - كان ينتدب إلى القاهرة ليدرس لطلبة الدراسات العليا، فكان مرات كثيرة يسافر إلى القاهرة ولا يجد الطلبة موجودين لكثرة مشاغلهم أو لعدم إمكانهم الحضور لسبب من الأسباب فكان يعود راجعًا إلى الإسكندرية، وكان يرفض تمامًا أن يتقاضى أجرًا عن هذه الأوقات  ...

وكان رئيس القسم يلح عليه أن يكتب هذه الأوقات في الإستمارة ويقول له أنت ذهبت وضيعت الوقت وسافرت وصرفت مصاريف السفر والانتقال للقاهرة ومن حقك أن تتقاضى أجرك لأنه ليس ذنبك أن الطلبة لم يحضروا ... فكان يرفض بإصرار ويقول أن لم أدرس ولم أعط المادة ولم أتعب التعب الذي أتقاضى عنه أجري  ... فكان رئيس القسم والأساتذة زملاؤه يتعجبون من مثل هذه الأمانة العجيبة والضمير المدقق الذي عاش به هذا البار . وكان جميع أخوانه وزملائه يذكرونه كمثل للكمال وللخلق الفريد، وكان إذا مدحوه يقول :بل أنا إنسان غلبان؟ أسعى نحو الكمال ولكني لم أدركه بعد .

وقد تأثر بحياته كثيرون من الذين تتلمذوا عليه وكانوا يجاهدون لكي يحيوا مثل هذه الحياة الجذابة التي تفوح منها رائحة المسيح الزكية .

منقول من : ...

المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء : الثالث

Tuesday, September 24, 2013

بساطة وإيمان

في منتصف الستينات كان أحد الخدام بالكنيسة يواظب على اجتماع الخدام وفي كثير من الأحيان كان يحضر معه والدته المسنّة، وكانت سيدة متقدمة في أيام نعمة وحياة بساطة يندر وجودها .وكنا كشبان بالكنيسة نحب أن نراها ونتمتع بدعواتها الطيبة وكلماتها البسيطة العميقة، 

سألتها مرة وهي كانت دائمًا تقول  مفيش صلاة زي صلاة القداس، 
فقلت لها بفضول :ماذا يعجبك في صلاة القداس؟ 
قالت : كل كلمة ... كفاية لما أبونا يقول "يا محب البشر "
الواحد يدوب لما يسمعها .
بكّتُّ نفسي ساعتها وقلت حقًا إن البسطاء يسبقون الكثيرين ممن يدّعون العلم أو الحكمة أو المعرفة .

قال أخونا الخادم أنه اشترى ريكوردر صغير، كان يعتبر في أيامها شيئاً نادرًا .ثم ذهب إلى البيت ووضع شريطًا للقداس الإلهي ... بينما جلس هو ليكمل بعض الأعمال ...ثم التفت وإذا السيدة والدته واقفة كأنها داخل الكنيسة في حال الصلاة فضحك في نفسه وقال لها :يا أمي هذا مجرد تسجيل فقاطعته في الكلام قائلة :اسكت يا ابني دي صلاة القداس ...قال :نعم يا أمي و لكننا لسنا في الكنيسة ولا يوجد كاهن ولا ذبيحه ولكنها رفضت هذا الكلام وأصرت أن تظل واقفة وعبثاً حاول أن يجلسها ...فكان لا يفعل هذا في البيت مرة أخرى لأنه في أي وقت تسمع صوت صلاة القداس تقف بخشوع ولاترضى أن تجلس على الإطلاق .

ورغم أنه قد مرّ ما يقرب من خمسة وثلاثين سنة على هذا الكلام إلا أنني أتذكره كلما رأيت كثيرًا من الناس يديرون التسجيل ليسمعوا صلوات القداس الإلهي سواء في البيوت أو السيارات أو ربما في الأماكن العامة، وأندهش لقلة الإنصات، أو الانتباه فتجدهم منهمكين فيما يفعلونه، وقد أعتادوا على أن يسمعوها فقدت معناها وتأثيرها، وقد أصبحت بالنسبة لهم كالموسيقى التي تُدار في المحلات العامة ولا ينصت إليها أحد ولكنها مجرد خلفية موسيقية لزحام الناس وكثرة الأصوات .

بينما لا أنكر أن البعض لا يزال يتعزى بسماع الصلوات ويجني فائدة حقيقية فالأمر يتوقف على استعداد الإنسان وحرصه .
أعرف أحباء ليّ كانوا قد تغربوا في بلاد السعودية حيث لا كنيسة ولا قداس ...وكانوا قد أخذوا معهم بعض أشرطة الكاسيت وفيها تسجيل للقداس الإلهي ...فكانوا في أيام الآحاد والجمع، يقف الرجل وهو إنسان متدين تقي ويشغل مركزًا أدبيًا عاليًا ...وزوجته سيدة فاضلة محبة للمسيح، كانا يديران جهاز التسجيل في حجرة من المنزل ويقفان بخشوع إلى نهاية الصلوات وكأنهما في داخل الكنيسة وكانا يتعزيان بصلوات ودموع الأشواق الروحية ...وكان هذا بالنسبة لهم أبسط تعويض في أرض الغربة يعبر عن مدى الحنين الذي يلتهب به قلبيهما نحو الكنيسة .
......................................

منقول من : ...

المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء : الثالث

Saturday, September 14, 2013

غفران عجيب

عندما تعمل نعمة المسيح في إنسان، فإنه بالنعمة يتخطى حدود الطبيعة ويغلب حركاتها المغروسة فينا، فمعروف أن الغيرة الطبيعية في الإنسان شيء غريزي .فسفر الأمثال يقود الجهال ويحكم العميان في طريق الحكمة قائلاً : 
"إنه بسبب امرأة زانية يفتفر المرء إلى رغيف خبز، وامرأة رجل آخر تقتنص النفس الكريمة  ...
أيأخذ إنسان نارًا في حضنه ولا تحترق ثيابه ... هكذا كل من يدخل على امرأة صاحبه . كل من يمسها لا يكون بريئًا ".
" أما الزاني بامرأة فعديم العقل المهلك نفسه، هو بفعله ضربًا وخزيًا يجد وعارًا لا يمحى . لأن الغيرة هي حمية الرجل فلا يشفق في يوم الانتقام .لا ينظر إلى فدية ما ولا يرضى ولو أكثرت الرشوة ".

فالرجل الذي يغار على امرأته إن وجدت في حال الخطيئة ومن الغيرة ارتكب ما يعاقب عليه فإن محاكم العالم تلتمس له عذرًا، إذ يكون في غالب الأحيان قد خرج عن وعيه وطار صوابه .

على أن التاريخ الكنسي يسجل للقديس بولس البسيط تلميذ أنبا أنطونيوس موقفه الفريد عندما جُرّب في امرأته إذ وجدها في ذات الفعل، فنصحها بوداعة ولكنها عادت إلى فعلتها فتركها في هدوء عجيب واتجه إلى القديس أنطونيوس وترهب عنده عائشًا في نسك و زهد منقطع ال نظير حتى فاق من سبقوه في هذا المجال .

على أن الله لا يترك نفسه بلا شاهد بل في كل جيل يوجد من آزرته النعمة ليتخطى حدود الطبيعة كما قلنا، فقد عاصرت في أواخر الستينات وكنا في كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس باسبورتنج، وكانت الحياة الروحية هي الشغل الشاغل للكثيرين من شعب الكنيسة وكنا نعيش أيام نهضة روحية حقيقية قوامها الصلاة والسهـر والصوم وحفظ الطهارة والمحبة والسعي لحفظ وصايا الرب يسوع .

كنا بالكنيسة في ساعة الظهيرة مع أبونا بشوي وكنيستنا باسبورتنج لا تغلق أبوابها نهارًا وليلاً، دائمًا مفتوحة وهي مثل عش العصفور وبيت اليمامة، يهرب إليها كل من يلتمس معونة أو سترًا، أو راحة من العناء الذي في العالم .

دلف إلى أبواب الكنيسة رجل تقي معروف لدينا، دَيّن ومتواضع القلب، رجل سلامي لا يسمع له صوت بل هو معروف بوداعته وصوته الخفيض .دخل وهو يمسك بيد زوجته وهي في الثلاثينات من عمرها وكان الرجل يكبرها ربما بعشر سنوات، ولم يكن الرجل على عادته من البشاشة بل كان وجهه مكمدًا مكفهرًا يكاد الدم ينفجر من وجهه، ولم تكن المرأة في حال أحسن ..كان منظرها يثير المخاوف، 

انتحى أبونا بيشوي بالرجل حالما رآه ، لم يستطع الرجل أن يكتم حاله أوحتى يتكلم بهدوء أوبصوت خفيض، صار يصرخ ويقول ...ارحمني يارب، ارحمني يا أبونا بيشوي ..
ساعدها ...أنا لا أريدها أن تهلك ...خلصها من خطيتها، لقد رأيتها بعيني، أنا لم آتى لأنتقم ولا لأشكو ...أتيت إليك لتقودها للتوبة. 

كان الرجل يبكي ...وكاد يسقط إلى الأرض  ...احتضنه أبونا بيشوي بأبوة عجيبة وهو يكاد يبكي، ولكن أبونا في مثل هذه المواقف كان الرب يؤازره بقوة وشجاعة ناردة فتمالك نفسه وهو يعزيه بكلام طيب ... 

ولن أنسى في حياتي منظر أبونا وهو فى صحن الكنيسة إذ التفت إلى ناحية الهيكل، ورفع كلتا يديه وصرخ بصوت جهورى وقال للرجل :
المسيح إلهى لا يكتب عليك خطية بل يسامحك ويحالك من جميع خطاياك .

كان هذا المسلك الفائق من هذا الرجل التقي سبب خلاص لامرأته 
فقد تعهدها أبونا بعناية خاصة ولم يزل بشددها حتى تقّوت ورفضت من قلبها مشورة العدو .
وكم غيّرت التوبة من نفوس وكم ولدت من جديد وكم جددت من خطاة فصاروا بالنعمة أنموذج لقدرة المسيح مخلصنا القادر أن يبرر الفاجر .
................................

منقول من : ...

المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء : الثالث

Friday, September 13, 2013

شجاعة الشهداء - 3

شجاعة الشهداء - 3

في ذات اليوم وفي فناء الكنيسة وكان ذلك أيضًا عقب القداس الإلهى وكان الخبر قد بلغ وكيل البطريركية وهو بدوره أبلغ المسئولين فانتقلوا على الفور إلى الكنيسة، فامتلأ فناء الكنيسة من الضباط ورجال الأمن والنيابة  ...شيء كثير جدًا .

وإذا بسيدة أخرى وهي نازلة من سلم الكنيسة وجدت أمامها ضابط برتبة كبيرة 
فصاحت تقول " أبواب الجحيم لن تقوى عليها "، ...

فالتفت الرجل إليها ولم يفهم ماذا تقول، واستفسر منها عما تقول ! ...

فراحت تفسّر له الآية، أن الكنيسة مبنية على صخر الدهور وأن عريسها حي، وأن وعده قائم إلى أبد الدهور وأن السماء والأرض تزولان ولكن وعد المسيح لا يزول، ...

وقتها التفتُّ إلى هذا المنظر وتعجبت لأني أعرف هذه السيدة معرفة قوية 
وهي وديعة جدًا وذات طابع ملائكي، لم أسمعها أبدً ا تصيح أو تغضب ...

وكنت لا أصدق نفسي كيف أن سيدة مثل هذه حازت شجاعة وعدم خوف هكذا 
وكيف أنطقها الروح كلمات شهادة للمسيح يعجز اللسان العادي عن النطق بها .
.........................................


منقول من : ...

المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء : الثالث

Thursday, September 12, 2013

شجاعة الشهداء - 2

شجاعة الشهداء - 2

يروي قدس أبينا/ لوقا سيداروس في كتابه قائلا: ...

ومن أمثلة هذا الإيمان التي حُفِرت في ذاكرتي من ذلك اليوم أن إحدى السيدات - وكانت تحيا حياة توبة قوية وشركة عميقة مع الله – وهي أم لبنتين وزوجة لرجل فاضل وهي متتلمذة بصدق لأبينا بيشوي ومتعلقة به إذ كان أنقذها من منحدر في بكور حياتها .وكانت تدين له بهذا ولاتنسى معروف الرب الذي أسداه إليها بواسطته .

رأيتها يومها بعد القداس مباشرة وقد عرفت بخبر القنبلة  ... (قنبلة كانت مزروعة في الكنيسة ولكنها إكتشفت بطريقة معجزية ولم تنفجر) ...
 رأيتها تبكي بحرقة شديدة بدموع غزيرة جدًا ... 

اقتربت إليها مستفسرًا، ماذا؟ هل أصابك سوء؟ ماذا بك؟ 
قالت وهي تكاد بالجهد أن تضبط دموعها ...كنا سنصير شهداء للمسيح في طرفة عين ...
خسارة كبيرة !!!

تعجبت جدًا وتأثرت كيف بلغ القلب إلى هذا الحب والبصيرة التي انفتحت على السماويات ...
وقلت في نفسي هل عاد عصر الشهداء محبي المسيح ؟ !!!  ...
هل عادت شهوة الشهادة للمسيح حتى الدم !

وتبينت بصدق أنه إن اشتعلت شهوة الملكوت في القلب لحببت للإنسان التألم على التنعم ... ولأقبلت النفس على حمل الصليب بكل فرح ورضى ...
والعكس إن خلا القلب من شعلة الإيمان هذه صار يلتمس مخرجًا حتى لو أنكر الإيمان  ...

وطلبت إلى الله من كل قلبي أن يجعل هذه الشعلة دائمة في كنيسته وهو قادر لأنه هو الذي قال "جئت لألقي ناراً على الأرض ولست أريد إلا أن تضطرم ".
............................................................

منقول من كتاب : ...
المؤلف : جناب القمص / لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين 
الناشر : كنيسة مار جرجس باسبورتنج
الجزء الثالث

Monday, September 9, 2013

شجاعة الشهداء - 1

يحدثنا جناب الأب/ لوقا سيداروس في كتابه قائلا : ...

في نوفمبر سنة 1975 وبالتحديد في يوم 16 من الشهر ... وهو عيد تكريس كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس باللد في فلسطين ... وهو أيضا يوافق يوم تكريس كنيستنا في إسبورتنج سنة 1968 م ... بيد المتنيح طيب الذكر الأنبا مكسيموس مطران القليوبية السابق ...

في ذلك اليوم كنا نصلي القداس الإلهي في الصباح في احتفال مهيب ... وكان الأنبا مكسيموس يحب أن يحتفل معنا في هذا اليوم من كل سنة ...

يومها وضع الشيطان في قلب أحد أعوانه أن يضع قنبلة في الدور الأول أسفل الكنيسة وثبتها في أسفل أحد المقاعد الخشبية ... وجعل المقعد في وضع مائل بحيث إذا حرك أحد هذا المقعد إلى وضعه السليم تنفجر القنبلة ...

ولكن الله الرحوم صنع إحسانا في ذلك اليوم إذ إكتشفت القنبلة قبل أن تنفجر ... وبطريقة معجزية !!! ونجى الرب شعبه ببركة القداس الالهي وطلبات الشهيد مارجرجس ... وكان يُتَحَدَث بهذا الأمر في كل مكان !!!

وبطريقة فريدة أيضا قُبض على الجاني ... ونال جزاؤه في الأرض وفي السماء ...

أذكر في ذلك اليوم أنه صار شعور عجيب في قلوب الشعب ... لم يكن إضطــراب ولا حـــزن ولا خـــوف ... شيء فائق للعقل ... حتى إن الحضور إلى الكنيسة تضاعف بعد هذه المعجزة ... وهنا تحققنا أن إيمان شعبنا صار مؤازرا من الله ... ومن شأن هذه الحوادث أن تقوي الإيمان وتشدد الأيادي المسترخية ...


منقول من كتاب : ...
المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء 3 صفحة 53 - 54

Wednesday, September 4, 2013

غير المستطاع عند الناس

غير المستطاع عند الناس ...

يروي جناب القمص/ لوقا سيداروس في كتابه قائلا : ...

قد يصيبنا اليأس ونحن نواجه بعض مصاعب هذه الحياة ... وحين يطبق الشيطان على النفس ويحكم قبضته ... حينئذ يلجأ الانسان إلى الحلول البشرية ... أو يتهور ويتورط في قرارات قد تجلب عليه الشقاء مدى الحياة ...

والسبيل الوحيد إلى الخلاص هو التمسك بشخص المسيح ... وحفظ وصاياه ... لكي يصل الانسان إلى الغاية السعيدة ...

في أكتوبر 1977 وقبل سفري إلى أمريكا بأسبوعين ... جاءتني احدى بناتي ... وهي خادمة في مدارس الأحد ... تطلب مني أن أزور أسرة تمت لها بصلة قرابة ... فاعتذرت لها بضيق وقتي لأن سفري المفاجئ سبب لي ارتباكا كبيرا ... وتراكم أمور كثيرة تحتاج مني إلى تدبيرها قبل السفر ... علاوة على أمور الخدمة ...

فألحت عليّ قائلة ولو عشر دقايق في أي وقت ...
فقلت : وما الحاجة الشديدة لهذه الزيارة ؟؟؟
ففاجأتني بأنها مشكلة قديمة بين رجل وزوجته انتهت بالطلاق منذ 13 سنة ...
وأن الزوجة مقيمة في بيت والدها هي وابنها وابنتها ...
قلت : وأين أنت يا بنتي منذ سنين ؟ !!! ماذا أصنع الآن في زيارة قصيرة لهذه المشكلة المستعصية ؟؟؟ لقد فات أوان الكلام ...
قالت : لكن عندي ايمان أن ربنا ممكن يتدخل ...

خجلت من كلامها ... وإقتطعت وقت في مساء يوم أربعاء وذهبت لزيارة هذه الأسرة ... كانوا كلهم في البيت ...

قابلني رب البيت ... وهو رجل مُسِن ،،، صعيدي يعمل بالتجارة، ... قابلني بترحاب وعتاب ... كيف لم أزورهم من قبل ؟ !!!
إعتذرت أني لم أكن أعرفهم ... ولم يبلغني أحد بعنوانهم ...وجلسنا ...

فتحنا الكتاب المقدس ... وتحدثنا بكلمة الحياة وأعمال الله في قديسيه ... وكان الجميع في غاية التأثر والتجاوب مع الكلام ... ولما فرغنا من من الحديث قال لي الرجل:
الوقت قد أمسى ... فهل تسمح وتأكل معنا لقمة ؟؟؟
قلت : نعم ... ممكن أن نأكل معا لقمة محبة ...
لا أستطيع أن أصف الفرح الذي أظهره الرجل وهو غير مصدق ...
وقامت الأم وابنتها يجهزون لقمة صيامي ... بعض الفول المدمس والزيتون ... وبسرعة أعدوا المائدة ...

قال لي الرجل : تفضل بارك ...
قلت : خيرا وبركة ... ولكن قبل أن آكل لي كلمة معك ...
قال وهو خالي الذهن تماما : تفضل قُل ...
قلت له : لكل شيء تحت السماء وقت ... هكذا قال الكتاب المقدس ...
فاليوم يوم خلاص ... والوقت وقت مقبول ...
قال لي : ما هذا الكلام ؟؟؟
قلت : لقد حان الوقت لعمل الله...
سألني مستفهما : ما هو عمل الله ؟؟؟
قلت : السلام السمائي ...
قال ثانيةً : عمَّ تتكلم يا أبي ؟؟؟

قلت : لقد فعل الشيطان فعلته ... وعمل طوال هذه السنين ... من بغضة وعراك وكلام بطال وأعمال ضد المحبة ... وتحطيم الأسرة وهدم الأسرار ... والآن وقت عمل الله ... فالمسيح له المجد يهدم ما فعله الشيطان منذ سنوات ... لأن إبن الله جاء لينقض أعمال إبليس ...

فطن الرجل أني أطرق موضوع ابنته وقضية طلاقها من زوجا منذ 13 سنة ...
فجاوبني بنغمة أسيفة ولكن قاطعة وقال :
يا أبونا هذا أمر إنتهى من زمان !!! وصفحة أُغلِقَت ... ولا فائدة من مثل هذا الكلام ...
دعنا من هذه السيرة وتفضل كل لقمة معانا ...

قلت : لا آكل إن لم تعطني كلمة ...
قال : يا أبي ليس هكذا يكون الأمر ...
قلت دون أن أدري : طيب علشان خاطر يسوع ...

ولست أستطيع أن أعبر عن مدى التأثر البالغ الذي أصاب الرجل لدى سماعه هذه العبارة !!! كم إنفعل وهو يقول : لماذا يا أبي تقول هذا الكلام ؟؟؟
خاطرة على رقبتي ... خاطرة على رقبتي ...
من أجل خاطره لو طلبت ذبحت إبني ...
أنا ما أستاهلش أعمل حاجة علشان خاطره ...
وبكى الرجل ...

ومجرد بكاء رجل كبير - في بيت مثل هذا - شحن الجو كله تأثرا ... وإنسابت دموع غزيرة ... وكأن ريحاً قد هبّت فملأت البيت !!!
صلينا بحرارة ... وشكرنا المسيح العامل في القلوب ...

وقمنا بتناول الطعام ببساطة قلب وفرح كثير ...
وأكملنا حديثنا عن أعمال الله وقدرة المسيح الفائقة ... وسلطان المسيح الإله القادر على كل شيء ...
خرجت من هذا البيت المبارك وأنا في غاية التأثر ...
كيف أن النفوس البسيطة تستجيب هكذا لصوت الروح بلا عناد ...
وبمجرد ما يتحرك فيها هاتف الخير تتبعه متنازلة عن إرادتها !!!

في اليوم التالي ذهبت إلى بيت الزوج ... وجدته انسانا بسيطا ... يعيش بمفرده في شقة صغيرة استأجرها لنفسه منذ أن عاش وحيدا من 13 سنة ... يخدم نفسه بنفسه ... ويعمل في وظيفته ... ويدفع ما فرضته عليه المحكمة للأولاد ... ويراهم حسب الأوقات المتاحة دون مشاكل ...

جلست معه أتعرف عليه وعلى أحواله ...
ثم بلا مقدمات أخبرته بما صنع بنا المسيح بالأمس ...
لم يصدق نفسه وهو يقول : مستحيل ... مستحيل ...
ولكني طمأنته أن أعمال الله هكذا تكون ...
وصلينا معا ... كان في غاية التأثر ...

وقال لي : لقد صليت كثيرا من أجل أسرتي ... وبكيت كثيرا ... وظننت أن الله قد نسيني ... ولكن هيهات ... الآن علمت بالأكثر أن الرب طيب وصالح ... وأن إلى الأبد رحمته !!!

اصطحبته معي إلى منزل والد زوجته ... وبدون ميعاد ولا مقدمات دخلنا ...
وحالما دخلنا إندفع أولاده إليه يقبلونه ببكاء ... وهكذا زوجته ...
وانحنى هو يبكي عند قدمي حماه ... كوالده ... والرجل يرفعه ... ودموعه تجري على خديه ...
وهو يقول له : يا بني سامحني ...
والزوج يقول : لا بل أنا المخطئ ...

لم أر في حياتي مثل هذا المنظر المؤثر ...
جلسنا ثانيةً نقرا الحياة الأبدية ... والتعزية السماوية تغمرنا جميعا ... وصلينا بفرح ...

ثم سألني الزوج والزوجة على انفراد : ماذا سنفعل الآن ؟
أولا : نحن مطلقين بحسب الأوراق الرسمية ... ولكن ماذا في نظر الكنيسة والله ؟؟؟

قلت : أنتم فارقتم بعضكم البعض مجرد فراق لسبب أو لآخر من أسباب عدم الوفاق التي قد يزرعها عدو الخير ويهيج النفوس والمشاعر ... ومعظم هذه الأمور يكون مبالغ فيها بسبب عمل الشيطان ...

ولكن ربنا حفظكم جميعا من الزلل ... فأنت زوج عشت وحيدا ولم ترتبط بأحد ... لا بزواج ولا بخطايا غريبة ...
قال : إني أشهد بذلك أمام الله ...

وقلت للزوجة : وأنت كذلك إذ عشت في منزل أبيك صرت بعيدة عن كل شبهات الخطايا ولم تطلبي زوجا آخر ولا ارتبطت بأحد غير زوجك ...
إذن فهذه الفرقة ماذا يكون أثرها على رباط الزيجة المقدس ؟
لا شيء على الاطلاق ...
فأنتم بحسب الكنيسة والرباط المقدس الروحاني زوجين ... ولا حاجة لكم إلا شيء سوى الصلاة والتوبة والاعتراف عن أزمنة الجهل والقضايا وعدم المحبة ...

أما أن نعيد لكم سر الزيجة والاكليل الطاهر فهذا غير وارد في قوانين البيعة ...

أعطيتهم فترة من الأيام للصلاة لسبب ضيق وقتي ... وجاءا وإعترفا وناولتهما من الأسرار الإلهية ... وقرأت لهما التحاليل ... ورجعا إلى منزلهما الذي كان مهجورا معظم الوقت إلا في أوقات قليلة كانت الزوجة من حين لآخر تفتقد شقتها ربما كل شهر أو أكثر ... لأنها كانت تقيم في منزل والدها إقامة دائمة هي وأولادها ...

ذهبت معهم إلى المنزل ... ورفعت البخور وصليت ... ورجوت لهما أياما مباركة من كل قلبي ... وأوصيتهم بكثرة الصلاة والصوم والتناول من الأسرار ... وقبل أن أسافر ... أوكلت أمر قضية الطلاق إلى أحد أحبائي من المحامين ... وهو بدوره قام بعمله في إلغاء الطلاق ...

وكان لذلك في وسط المحامين والقضاة من المسيحيين صدىً مذهل من هذه السابقة النادرة ... وكانوا يتحدثون فيما بينهم ويمجدون الله القادر على كل شيء ... وأنه بالحق " ": «غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ»." !!!
(إنجيل لوقا 18: 27)

منقولة باختصار من كتاب : ...
المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء 3 - الصفحات من 45 الى 52

Tuesday, September 3, 2013

مغبوط هو العطاء

أرملة فقيرة في منتصف الستينات ... كانت تأتي إلى الكنيسة كل يوم إثنين تحضر القداس الإلهي ...

كان أبونا "بيشوي كامل" يولي الفقراء عناية خاصة ... لذلك أفرد لهم يوم الإثنين لخدمتهم ... وقسمهم بعد القداس فصولا كمدارس الأحد ... وأوكل لبعض السيدات خدمتهم ... تراتيل وألحان ودرس كتاب ...

كانت هذه الأرملة المسكينة تأتي بإنتظام ... وكانت حياتها بالمسيح هادئة وادعة كالنسيم ...

كانت كل يوم إثنين تأخذ بركة من الكنيسة ... مبلغا بسيطا ... 25 قرشا ... إلى جانب ما يتوفر للكنيسة من أكل وفواكه أو زيت أو سمن ... إلخ بحسب ما يكون الرب قد أعطى ...

جاءني أبونا بيشوي يوما وهو متأثر غاية التأثر ... "تعرف أم فلان الأرملة التي من الفقراء ؟" ... قلت: "بالطبع أعرفها" ...

قال: ... كنت أزور بعض المساكين بالحضرة ... وقادني بعضهم إلى كشك صفيح فقير جدا ... وبه رجل عاجز مسن ... منظر مؤثر للغاية ...

وقد أخرجت الناس إلى خارج ... وقدمت له بعض المال ... وعرضت عليه أن أكلف أحد أن يأتي إليه كل أسبوع بما يحتاجه ... هل تصدق ماذا قال الرجل ؟؟؟

قال لي : "لا يا أبونا ... أنا أشكر الله ربنا بيبعتلي الست أم فلان ... فهي تعطيني كل أسبوع 15 قرشا ... وكثير من الطعام !!!"

قال أبونا : "لم أكد أصدق ما سمعت" ... كيف تعطي هذه الأرملة الفقيرة أكثر من نصف ما تأخذه من الكنيسة !!!

هذه الأرملة ليس لها دخل ... إنها تأخذ صدقة من الكنيسة لكنها تستطيع أن تعمل الخير ... إن عمل الخير لا يمكن أن تحده حدود !!!

شمس

يروي القمص/ لوقا سيداروس قائلا:

"في صباح يوم قابلني أبونا بيشوي بابتسامته المشرقة وقال لي:

"أمس كان عندنا منظر تحب أن تراه" ... قلت: "وما هو"

قال: "إنت عارف شمس" قلت له: "أعرفها ... هذه السيدة الفقيرة التي تجلس في سوق زنانيري تبيع بعض الخضار ..."

قال: "لقد سقط منزلهم وانهار تماما ... فصار جميع السكان بلا مأوى ... أخذوا جميع السكان إلى الجامع في شارع زنانيري ... كان هذا في الليلة قبل الماضية ...

باتت ليلتها هناك هي وأطفالها ... قال لها إمام الجامع: " أنت مسيحية ... هل ترضي أن تنامي هنا؟ ... قالت له أنا بنت أبونا بيشوي ... وهو علمنا أن نحب جميع الناس ... وكلنا إخوة ... فشكرها الرجل ... وشكر أبونا بيشوي ... وقال: "بالحقيقة كذلك ... ونحن يجب أن نعيش بهذه المحبة وهذا السلام"

وفي الليلة التالية التي هي أمس ... جاءت إلينا من السوق ... وأخبرتنا بما جرى ... وأن كل ما تملك قد دفن هناك تحت أكوام التراب في هذا البيت ...

ولكنها قالت : "إن كل هذه الأمور فانية ... وأنا أشكر الله على عطيته" ...

أمسكت بها أنجيل (زوجة أبونا بيشوي) لكي تبيت الليلة بمنزلنا ... وقدمت لها طعاما ... أكلت وشكرت الله ... ثم في وقت النوم ... طلبت منها أنجيل أن تصعد على السرير لتنام ...

لكنها رفضت تماما ... كيف يتسخ الفراش بملابسها الفقيرة ... ورجليها الحافية !!!

وهنا بدأت المشادة والخناقة ... هذه مُصرّة على عدم الصعود إلى السرير ... وأنجيل تجرها جرا ...

قلت: "وماذا كانت النهاية؟" ...

قال: "نامتا هما الاثنتان على الأرض الليل كله" !!!

......................................................................
من كتاب "القمص/ لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
الجزء الثاني (ص 93 - 94) الناشر: "كنيسة مارجرجس باسبورتنج"

الصليب

مرة أخرى وقف تاكسي بباب الكنيسة وكنا قد انتهينا توا من القداس الالهي ...

وكنا نسلم على الشعب بباب الكنيسة ...

وإذا ثلاثة رجال ينزلومن من تاكسي ... وقد بدا عليهم ارهاق شديد ...

وبهم اصابات يسيل منها الدم ...

فتحوا باب التاكسي ونزلوا مسرعين ... كمن يهرب من خطر ...

أثار منظرهم ذعر الناس ... الذين تجمعوا حول التاكسي ينظرون ما عسى ان يكون هذا ...

اقتربت بدوري الى التاكسي ... وجدت سيدة في حالة هياج عجيب ...

قالوا ان بها شيطان ... وكانت قد آذت بأظافرها واسنانها الثلاثة رجال ... ولم يقدروا بكل قوتهم على ردعها ...

وكان سائق التاكسي أكثر الناس رعبا ... فلم يتبين أمرها إلا بعد ركوبها ...

اقتربت أكثر نحو باب التاكسي ... وإذا بالقرابني جاء خلفي مسرعا ... خشي حين رأى المنظر أن يصيبني ضرر ...

حاول منعي ... قلت له: "يا عم بشاي الشيطان يخاف من الصليب" ...

مددت يدي بالصليب نحو هذه السيدة المسكينة ... وهي تماما مثل كلب مسعور ...

وما إن رأت الصليب حتى خفضت نظرها إلى أسفل ... وبدا عليها هدوء عجيب ... في لحظة ... في طرفة عين ...

مددت يدي ... أمسكَت بها ... أنزلتها من التاكسي ... ودخلت بها إلى الكنيسة ...

ركعت على الأرض وصارت تزحف على ركبتيها ...

اندهش الذين كانوا معها ... قلت لهم إن الصليب مخيف حقا للشياطين !!!

من كتاب "القمص/ لوقا سيداروس" : "رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين"
الجزء الثاني (ص 87 - 88) ... الناشر : "كنيسة مارجرجس باسبورتنج"

Monday, September 2, 2013

الأمانة في القليل



في بداية الستينات (من القرن العشرين) كانت كنيستنا في اسبورتنج تحتضن الشبان المغتربين الذين يدرسون في الجامعة ... وكان أبونا بيشوي يوليهم إهتماما خاصا من جهة السكن والتدابير المعيشية ... ولا سيما المحتاجين منهم ...

ويلحق الكثيرين منهم بالخدمة في مدارس الأحد ... ويعتبر أنه إذا رباهم في الروح فإنهم يكونوا كالخميرة الصغيرة عندما يعودون إلى بلادهم ... أو حينما يتخرجون ليحيوا شهودا لعمل نعمة المسيح حيثما ذهبوا ... وقد بارك الرب هذا الفكر ... وجاءت ثمار هذه الخدمة وفيرة وغزيرة ... وقد تكرس كثير من هؤلاء الشبان ومازال الكثير منهم يذكر تلك الأيام بكل خير ...

من بين هؤلاء الشبان كان يوجد شاب في كلية الهندسة ... قسم الميكانيكا ... وكان هذا الشاب متدينا عميقا في تدينه ... مدققا في سلوكه إلى درجة تفرح قلب الله ... وكان يتتلمذ على بابا صادق (سنورد سيرته فيما بعد - "الناسخ")... يذهب إليه بصفة منتظمة ... يسترشد بروحه وينهل من فيض النعمة التي كانت تتدفق بغنى في تعليمه وكلمة الحياة التي كان ينطق بها ...

كان هذا الأخ مجربا من جهة الدراسة ... فرغم أمانته في إستذكار دروسه وحضوره المنتظم في الكلية ... إلا أنه كان غير موفق في الامتحانات ... فتكرر رسوبه في السنة الثانية مرتين وأعطته الكلية فرصة أخيرة ليمتحن من الخارج ... وفي مثل هذه الأحوال يفصل الطالب إذا رسب ...

فكان والحال كذلك في وضع حرج وكان مستقبله مهدد وأمره كله معلق على نجاحه في هذه السنة ... فان نجح انتقل إلى السنة الثالثة وينفتح أمامه باب مستقبل مشرق كمهندس ... وإن رسب فانه يفصل من الكلية ويحاول الالتحاق باحدى الكليات النظرية ليبدأ المشوار من جديد ... وتضيع عليه السنوات الخمس التي قضاها في كلية الهندسة ... فكان جميع الأحباء والزملاء يرثون لحاله ... ويصلون لأجله ... ويشجعونه !!!

ولكن الحق يقال أن هذا الأخ أظهر ثباتا وشجاعة نادرة ... إذ كان قلبه ثابتا متكلا على الله ... فكان دائما بشوشا ... شاكرا ... مسلما الأمر لله في اتكال عجيب ... وهو يعمل بمثابرة بدون إرتباك وبدون أدني يأس أو شكوى أو تذمر ...

وكان مسلكه هذا يثير العجب في كل رفقائه لأن روح الثقة والفرح الذي كان يستمده في حياته من المسيح ... كانت تطغى على تصرفاته ... فكان مثلا حيا للنصرة على التجارب التي كان يتعرض لها السائرون في دروب الرب ...

وفي أحد أيام الامتحانات في آخر السنة خطر ببالي أن أفتقد هذا الأخ ... أطمئن عليه وأشجعه ... فذهبت إلى مسكنه ... فاستقبلني كعادته بوجهه البشوش ... ومحبته المسيحية ... جلسنا نتحدث عن أعمال الله ... وفتحنا الكتاب المقدس كعادتنا ... وصلينا المزامير ... ثم سألته عن حال الإمتحانات ... فقص عليّ كيف تمجد الله معه في ذلك اليوم !!!

قال: أنت تعرف الدكتور سرور – رئيس القسم ؟
قلت: أعرفه ...
إذ كنت وقتها أعمل معيدا في كلية الهندسة (في نفس الوقت الذي كان يعمل فيه أبونا لوقا كاهنا ... وهذه كانت حالة نادرة من نوعها – "الناسخ") ... فهو رجل طيب القلب علمه غزير وقد تتلمذ على يديه آلاف المهندسين ... والرجل مخوف ذو هيبة يخشاه الجميع ... ليس الطلبة فقط ... بل والمدرسين والأساتذة أيضا ... وهو رغم طيبة قلبه إلا أنه لا يعمل حسابا للألفاظ ... فقد يوبخ بشدة أو يعلو صوته بصرامة ... فكان كل واحد يعمل له ألف حساب ...

قلت له : هل كان عندك اليوم امتحان في مادة الدكتور سرور ؟ ...
قال : نعم ...
وكيف الحال ؟ ...
قال : كان الامتحان في غاية الصعوبة ...
انقبض قلبي عندما سمعت منه هذا الكلام ... وقلت لنفسي مسكين هذا الأخ ...
قلت : أرجو من الرب أن تكون قد جاوبت حسنا ... ومادام الامتحان صعب على الجميع فسوف يأخذ الدكتور هذا الأمر في الاعتبار ...
قال : فعلا ... هكذا ...
قلت : كيف ؟ ...
قال : الدكتور كان هو رئيس اللجنة في المراقبة ... فدخل ووجد الطلبة يشتكون من صعوبة الامتحان ... فكان يخرج هو والمراقبون خارج اللجنة بعض الوقت ... فكان يتسنى للطلبة أن يسألوا بعضهم أو يتبادلوا المعلومات ... وبعد قليل قال الدكتور : إيه يا أولاد ... مالكم ؟؟؟
فقالوا: الامتحان صعب جدا يا دكتور ...
فقال : اتصرفوا بينكم وبين بعض ...
قلت : إلى هذا الحد سمح للطلبة !!!
قال : وأكثر من ذلك ... فصارت اللجنة مثل السوق ...
قلت : وماذا فعلت ؟؟؟
قال : أصدقك القول إنني حصرت ذهني على قدر ما إستطعت ... ورحت أحاول في جميع المسائل ... وما إستطعت أن أكتبه كتبته ...
ولم ألتفت يمينا ولا يسارا ... فضميري لا يسمح أن آخذ ما ليس لي !!!
قلت : وماذا حدث ؟؟؟
قال : وقت الامتحان كان ثلاث ساعات ... أما أنا فبعد ساعة وثلث الساعة كنت قد كتبت كل ما أعرف ... وحاولت أن أتذكر كلمة واحدة بعد ذلك فلم أجد ... كانت هذه هي كل قدرتي وكل ما أعرف ...
قلت : وبعدين ؟؟؟
قال : شعرت أن جلوسي في اللجنة أصبح بلا قيمة ... بل إن روحي أصبحت غير مستريحة في هذا الجو ... قمت لوقتي وكان نصف الوقت تقريبا ... فلما رآني الدكتور واقفا ومتجها إليه لتسليم الورقة صاح في وجهي : ...
رايح فين ؟
قلت له : أنا خلصت ...
فأمسك الدكتور بالورقة وتصفحها كلها ... فرأى إجاباتي القاصرة ... ولا مسألة كاملة ... والخطوات القليلة التي كتبتها لا ترقى إطلاقا إلى درحة النجاح ...
فعاد الدكتور في نبرته الحادة يقول : ارجع كمل الاجابات ...
قلت : هذا كل ما أعرف يا دكتور ...
قال : ده مش هينجحك ... ده ضعيف جدا ...
قلت : ليس في ذهني أكثر من هذا ... وإلا فإني كنت قد كتبت ...
قال الدكتور : أدخل إتصرف مع زملاءك ...
قلت : مش قادر يا دكتور ...
صاح الدكتور بصوت أعلى : أنا بقول لك غش !!!
قلت : ضميري لا يستطيع ... صدقني يا دكتور !!!
فقال وهو يشتم : يا واد إنت منين ؟؟؟ إنت أصلك إيه ؟؟؟
قلت : أنا مسيحي يا بيه ...
قال : إلى هذا الحد ضميرك لا يسمح !!!
روح يا واد ... وأقسم بحلف أنه من أجل أمانتك هذه لابد أن تنجح ... وعلّم على الورقة في الحال ... وأعطاني أعلى من درجة النجاح !!!
وقبل أن تدخل الورقة الكنترول وقبل التصحيح ... نجحت !!!
إقشعر جسدي وأنا أسمع هذا الكلام ... ومجدنا الله العجيب الذي ينصف مختاريه ... وقمنا نصلي ونمجد ونسبح ونشكر ...

وقد إجتاز الأخ هذه السنة بنجاح ... وليس تلك السنة فقط ... بل وصارت أمانته هذه هي العلامة المميزة لحياته على مدى السنين ... فمبارك الله الذي لا يخيب المتكلين عليه !!!

منقول من كتاب : ...
المؤلف: جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
(الجزء 3 صفحة 36 – 41)