استصحبني المتنيح القمص متياس روفائيل في أثناء رحلة بصعيد مصر كنا فيها
معًا لأمور تخص الكنيسة في سنة 1972 ، وفي طريق عودتنا زرنا قرية دير
النغاميش ... وهي قرية كل سكانها أقارب وهي مسقط رأس البابا يوساب الثاني
وأقاربه من الكهنة والرهبان ... وجو
القرية يوحي بالبساطة الشديدة والمحبة والحياة المسيحية فيها كأنها بكر لم
يفسد العالم نضارتها وبلا علم وبلا فلسفة فإنهم يمارسون الفضائل المسيحية
إذ يتسلمها جيل الصغار عن آبائهم بلا تكلف .
وفيما نحن نخطو في
درب صغير ينتهي بمنزل الأسرة التي نشأ فيها أبينا متياس روفائيل - نيح الله
نفسه -بدأ يحكي لي عن أقاربه وجده القس بطرس وأعمامه ...
ومن
النوادر التي أذكرها أن اثنين من أولاد العمومة وكانوا وقتذاك في الخسمينات
من عمرهما وكانا معتبرين من المتقدمين في العائلة ... بينما هما في الحقل
خارج القرية وفي عصر يوم من الأيام حدثت بينهما مناقشة كلامية ناتجة عن
سوء فهم وتغاضبا بصياح ...
فترك أحدهما الآخر ورجع إلى القرية ...
كانا هما منفردان في الحقل لم يكن أحد معهما .. وكأن الأمر بينهما قد انتهى
بنهاية هذه المناقشة وكأن شيئًا لم يكن، إذ أن الموضوع الذي كانا يتناقشان
حوله موضوع تافه .
وبعد ساعة من هذا الأمر جاء الرجل الذي ترك ابن عمه وعاد إلى القرية إلى بيت ابن عمه ونادى قائلاً :سلام ...هل فلان هنا؟ ...
فرد عليه من فى البيت :لا يا عم ... فلان مازال في الحقل تفضل ...
قال : لا متشكر .وعاد راجعًا وبعدها بعشر دقائق أو ربع ساعة، عاد يقول : ...
إيه فلان لم يأتِ بعد؟
قالوا له : لا ..لم يأت بعد، تفضل ... لماذا؟ ...فنظر إلى فوق نحو السماء ...
وقال :لا معلهش ...آجى مرة أخرى .
وتكرر هذا الأمر أربع أو خمس مرات خلال الساعة ... حتى تعجب أهل البيت وقالوا ماذا في الأمر، ليس من عادتك أن تفعل هذا .
وكان الرجل قلقًا جدًا وكلما لا يجد ابن عمه قد رجع، ينظر إلى السماء وقد
بدت عليه علامات القلق. ولما وجده قد تأخر هكذا ... أسرع متجهًا نحو الطريق
خارج القرية الذي يؤدي إلى الحقل ...
كانت الشمس قد قاربت على
المغيب وكان الرجل يركُض وهو شيخ مسّن وهناك في الطريق وجد ابن عمه راجعًا
...فلاقاه ووقع على عنقه مقبلاً إياه طالبًا السماح ...
وكان ابن عمه يقول بل أنا يا أخي المخطيء إليك وأنت تأتي إليّ ...
فكان يقول بل أنا أخطأت أنا رفعت صوتي ... سامحني ...خشيت أن تغرب الشمس.
أنا قد أحزنتك ... والرب قال : " لا تغرب الشمس على غيظكم ".
ولما عُرِفَت القصة بأكملها عَلِم الكل أن الرجل كان قلقًا لئلا تغرب الشمس وهو يشعر أنه قد كدّر أخيه ...
إلى هذا الحد كانوا يعيشون الإنجيل بالروح والنص معًا في بساطة متناهية وتدقيق مذهل للعقل .
فلما سمعت هذه القصة تأسفت في نفسي على ما أرى وما أسمع كل يوم من مشاحنات ومخاصمات بل ومحاكم وبغضة وفرقة، بل حتى الإيذاء،
كيف يعيش الإنسان المسيحي في عداوة؟ وهو تلميذ المحبة !
كيف يستطيع أن يبغض إنسانًا أو يحقد على أحد ؟
بل والأدهى كيف يدوم في العداوة لا أيامًا بل سنين؟
وقلت إننا عدمنا الحياة المسيحية برمتها .
وحين حفظ هؤلاء المحبة ... عرف الجميع أنهم تلا ميذ الرب بحسب قوله
" بهذا يعرف الناس أنكم تلاميذي إذا كان لكم حب بعضكم لبعض ".
إن مثلاً واحدًا من هذه الأمثلة الشاهدة للمسيح لهو أبلغ من مئات العظات
وآلاف الكتب . لأنه ليس بعد شهادة الحياة شهادة وليس أقوى من حفظ وصايا
المسيح قوة في الحياة .
يا رب انعم على أولادك بنعمة السلام
القائم على المحبة الحقيقية واحفظهم من البغضة والانقسام وكل ما هو ضدك
أيها الحب الإلهي الدائم إلى الأبد .
..........................................................
منقول من : ...
المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء : الثالث
No comments:
Post a Comment