في منتصف الستينات كان أحد الخدام بالكنيسة يواظب على اجتماع الخدام وفي كثير من الأحيان كان يحضر معه والدته المسنّة، وكانت سيدة متقدمة في أيام نعمة وحياة بساطة يندر وجودها .وكنا كشبان بالكنيسة نحب أن نراها ونتمتع بدعواتها الطيبة وكلماتها البسيطة العميقة،
سألتها مرة وهي كانت دائمًا تقول مفيش صلاة زي صلاة القداس،
فقلت لها بفضول :ماذا يعجبك في صلاة القداس؟
قالت : كل كلمة ... كفاية لما أبونا يقول "يا محب البشر "
الواحد يدوب لما يسمعها .
بكّتُّ نفسي ساعتها وقلت حقًا إن البسطاء يسبقون الكثيرين ممن يدّعون العلم أو الحكمة أو المعرفة .
قال أخونا الخادم أنه اشترى ريكوردر صغير، كان يعتبر في أيامها شيئاً نادرًا .ثم ذهب إلى البيت ووضع شريطًا للقداس الإلهي ... بينما جلس هو ليكمل بعض الأعمال ...ثم التفت وإذا السيدة والدته واقفة كأنها داخل الكنيسة في حال الصلاة فضحك في نفسه وقال لها :يا أمي هذا مجرد تسجيل فقاطعته في الكلام قائلة :اسكت يا ابني دي صلاة القداس ...قال :نعم يا أمي و لكننا لسنا في الكنيسة ولا يوجد كاهن ولا ذبيحه ولكنها رفضت هذا الكلام وأصرت أن تظل واقفة وعبثاً حاول أن يجلسها ...فكان لا يفعل هذا في البيت مرة أخرى لأنه في أي وقت تسمع صوت صلاة القداس تقف بخشوع ولاترضى أن تجلس على الإطلاق .
ورغم أنه قد مرّ ما يقرب من خمسة وثلاثين سنة على هذا الكلام إلا أنني أتذكره كلما رأيت كثيرًا من الناس يديرون التسجيل ليسمعوا صلوات القداس الإلهي سواء في البيوت أو السيارات أو ربما في الأماكن العامة، وأندهش لقلة الإنصات، أو الانتباه فتجدهم منهمكين فيما يفعلونه، وقد أعتادوا على أن يسمعوها فقدت معناها وتأثيرها، وقد أصبحت بالنسبة لهم كالموسيقى التي تُدار في المحلات العامة ولا ينصت إليها أحد ولكنها مجرد خلفية موسيقية لزحام الناس وكثرة الأصوات .
بينما لا أنكر أن البعض لا يزال يتعزى بسماع الصلوات ويجني فائدة حقيقية فالأمر يتوقف على استعداد الإنسان وحرصه .
أعرف أحباء ليّ كانوا قد تغربوا في بلاد السعودية حيث لا كنيسة ولا قداس ...وكانوا قد أخذوا معهم بعض أشرطة الكاسيت وفيها تسجيل للقداس الإلهي ...فكانوا في أيام الآحاد والجمع، يقف الرجل وهو إنسان متدين تقي ويشغل مركزًا أدبيًا عاليًا ...وزوجته سيدة فاضلة محبة للمسيح، كانا يديران جهاز التسجيل في حجرة من المنزل ويقفان بخشوع إلى نهاية الصلوات وكأنهما في داخل الكنيسة وكانا يتعزيان بصلوات ودموع الأشواق الروحية ...وكان هذا بالنسبة لهم أبسط تعويض في أرض الغربة يعبر عن مدى الحنين الذي يلتهب به قلبيهما نحو الكنيسة .
......................................
منقول من : ...
المؤلف : جناب القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب : رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر : كنيسة مارجرجس باسبورتنج
الجزء : الثالث
No comments:
Post a Comment