Tuesday, August 27, 2013

صانع العجائب

حدث ذات يوم بعد أن فرغ البابا كيرلس السادس من صلاة القداس وبارك الحاضرين ... وهو في طريقه إلى قلايته أمسكت به سيدة تبكي بدموع وتستغيث بالبابا أن يعينها في تجربة مرة كانت مجربة بها ... وكنت في ذلك اليوم حاضرا مع البابا صلاة القداس ... وعبثا حاولت أن أهدئ السيدة التي كانت منفعلة بكثرة البكاء ... وكان منظرها ولجاجتها يذكرني بالمرأة الكنعانية ...

كان المجتمعون حول البابا في طريقه يراقبون هذا المنظر ... والحق يقال أن هذا المنظر كان يتكرر كثيرا من ذوي الحاجات والأمراض والضيقات والتجارب ...وكانوا يثقون أن باباهم الحنون يستطيع بنعمة المسيح أن يريحهم !!!

التفت البابا إلى هذه السيدة المسكينة ... وقال لها بأسلوبه الأبوي العذب ... طيب يا بنتي هنبعتلك مارمينا ...

وكانت تقف إلى جواري من الناحية الأخرى الأخت الصعيدية تراقب الحاح تلك السيدة ... وإذا بهذه الأخت تصرخ نحو البابا: "وأنا يا سيدنا ... وأنا يا سيدنا" ...فإلتفت إليها البابا وقال: "عاوزة إيه يا بنت إنتي؟" ... فقالت في سذاجة كالأطفال: "وأنا كمان إبعتلي مارمينا" ... فقال لها البابا وهو يبتسم: "طيب روحي يا بنت إنتي كمان" ...

إنصرفنا بعد أن صعد البابا إلى قلايته ... كل واحد إلى حال سبيله ... وذهبت هذه الأخت إلى عملها ... وعادت في آخر النهار إلى بيتها ... وإهتمت بأمور البيت وأعدت الطعام ... ولما عاد زوجها من العمل تناولا الطعام معا ... إذ لم يكن لهما أولاد ... وزارهما بعض الأقارب كعادتهما وقضيا وفتا طيبا بين الكلام الروحي والصلاة وسير القديسين ... لأن هذه هي عادتهم ... وهي ناسية تماما ما حدث في الصباح مع البابا ...

وبعد أن صلت صلاة نصف الليل مع زوجها التقي ... خلدا إلى النوم وكانت الساعة تقترب من الحادية عشر ...
وفي حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل ... وبدون مقدمات ... فتحت هذه الأخت عينيها مستيقظة من نومها ... وسمعت صوت باب الحجرة ينفتح ... وهالها المنظر النوراني الرهيب ... مارمينا العجايبي بمنظره التقليدي رافعا يديه وبردائه القصير يدخل في هدوء عجيب ويتقدم نحوها كطيف نوراني رقيق !!!

توقفت الأخت عن التنفس مرتاعة ... إذ داهمها شعور بالخوف وعدم الاستحقاق حتى لم تضبط نفسها ... ولم تصدق ما تراه ... حاولت في تلك اللحظة أن توقظ زوجها ... استجمعت قواها لكي تحرك يدها لتوقظه فلم تستطع ... حاولت أن تنادي عليه فلم تجد نفسها قادرة على الكلام ... تجمدت تماما ... وبالكاد من هول ما أصابها استطاعت بعد جهد أن استطاعت أن تسحب البطانية وتستر بها وجهها ... ولم تدر بنفسها كيف غلبها النعاس فنامت !!!

قامت في الصباح متأخرة أكثر من ساعة عن ميعادها ... أسرعت إلى الكنيسة ... كان البابا قد انتهى من القداس وصرف الشعب ... وفي عجلتها هذه وشعورها بالتأخير ومحاولتها الوصول إلى البابا ... كانت قد نسيت تماما الرؤيا التي رأتها في الليل ...

وكان البابا جالسا على كرسيه في في طرف صالة الاستقبال الملحقة بقلايته ... عملت مطانية عند الباب وهي تقول: "السلام لك يا سيدنا" ... فأجابها البابا بصوت عال وهو محتد: "انت يا بنت يا قليلة الذوق ... أنت ما عندكيش دم؟ !!!" ... استغربت غاية الغرابة ... لماذا هذا الكلام !!! ... ولأول مرة تسمع سيدنا يوبخها ... ليه يا سيدنا ؟ !!! ... فقال لها: "نبعت لك الراجل تعملي فيه كدة !!! ...

هنا تذكرت الرؤيا ... فصرخت تعتذر ... خفت يا سيدنا ... حقك عليا يا سيدنا ... أنا خفت ولم أعرف ماذا أعمل ... أخطيت حاللني وسامحني ...

عاد البابا يبتسم ويقول: "لما أنت مش قد الحاجات دي تبقي تسكتي" !!!

من كتاب:
المؤلف: القمص/ لوقا سيداروس
الكتاب: رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين
الناشر: كنيسة مارجرجس باسبوتنج
(الجزء 3 ص 7 - 12) ... القصة منقولة باختصار ...

No comments: